والشعراء. أما عاصمتهم فاتسعت هي وما حولها لطوائف شتى، من اللخميين أهل الطبقة العليا، والأحلاف الذين لحقوا بهم، والعباد من النصارى، وجماعات من أهل العراق الأصليين، وجاليات وموظفين كبار من الفرس، فضلًا على أعراب الضاحية أصحاب المظال ومضارب الشعر والوبر والأخبية الذين لم يسكنوا بيوت المدر في الحيرة وانتشروا حولها.
وتعددت الحرف بتعدد هذه الطوائف بين الزراعة والرعي والتجارة والصناعة ومنها صناعات النسيج المتنوعة، وكان أفخرها يطرز بالقصب وسلوك الذهب، وصناعات الحلي والأسلحة وما عداها.
وتعددت المذاهب الدينية بين الوثنية والمجوسية والزرادشتية الفارسية واليهودية والمسيحية. ووجدت المسيحية مجالًا رحبًا بين هذه الديانات وأخذت بالمذهب النسطوري أكثر من المذهب اليعقوبي، وأقيمت من أجلها أديرة عدة، وعرف أتباعها باسم العباد أو العباديين ربما نسبة إلى لفظ عبد الذي يربط بين الإنسان وبين ربه أو نسبة إلى كلمة عابد.
وكان لموقع الحيرة واتصالاتها التجارية والظروف التي أدت إلى احتكاك أهلها بغيرهم من الإمارات والجماعات سلمًا وحربًا، أثر في انتفاعها بالثقافات العراقية والآرامية السريانية والفارسية والبيزنطية فضلًا على العربية، وكان فيها كتبه كثيرون يكتبون بالخط الشرقي، وكتاتيب تعلم الصبية ويلحق بعضها بالأديرة.
ونسب المؤرخون المسلمون إلى ملوك الحيرة كثيرًا من القصور، فنسبوا إلى أحد النعمانين النعمان الأول أو الثاني بناء قصر الخورنق بظاهر الحيرة كما تقدم، بينما رد بعض الباحثين المحدثين تشييده إلى عصر أقدم من عصر استقرار اللخميين في الحيرة، ثم زاد عليه ملوكهم، وقيل: إن بعض أجزائه وقبابه ظلت قائمة لفترة طويلة في العصور الإسلامية بعد أن جددت أكثر من مرة, ونسبوا إليهم قصر السدير ويمثل بقبابه الثلاثة المتجاورة نموذجًا لفن البناء الحيري، ويتألف مجلسه الرئيسي من إيوان يحف به كمان أو قاعتان، ونسبوا إليهم قصورًا كثيرة أخرى تتفق مع ما علموه عن ثرائهم وتحضرهم، ولم يتركوا قصرًا منها دون قصة أو أسطورة دارت حوله وميزته عن غيره. ونسبوا إلى أحد النعمانين قصة سنمار البناء وجزائه المشلوم، وقصة يوم السعد ويوم البؤس، وتحدثوا عن مقتل عبيد بن الأبرص في يوم البؤس، ونجاة حنظلة الطائي في اليوم نفسه، وما إلى ذلك مما زخرت به كتب الأدب العربي وعبرت فيه بالشعر والنثر عن كثير من النواحي الطيبة والنواحي السيئة في الحياة العربية قبل الإسلام. ورووا أن