خصمه فتوالت حروبه مع النعمان ملك الحيرة وتعاقبت الانتصارات والهزائم بينهما كما حدث في عهد أبويهما. فانتصر على الخميين في موقعة عين أباغ قرب الفرات في عام ٥٧٠م. ولكنه لم يستمتع بنصره طويلًا حيث غدر به الإمبراطور بوستينوس جوستين الثاني، ولم يكن يطمئن إليه فحرض عليه والي سوريا البيزنطي ليعمل على قتله، ولم يكن هذا الوالي أقل حقدًا منه عليه، ولكن المنذر استطاع النزوح بجزء من جيشه إلى البادية ورد للروم الصاع صاعين فأقلق حدودهم بإغاراته السريعة. وتشجع المناذرة بغيابه عن الميدان فأغاروا على سوريا، الأمر الذي جعل الروم يتسامحون مع المنذر في أواخر عهد يوستينيوس الثاني. وعندما ولي الإمبراطور تيبيريوس الثاني ٥٧٨م٥٨٢م وزاره المنذر الغساني في عاصمته أقره الإمبراطور على لقب الملك وسمح له بالتتوج مثل أبيه في عام ٥٨٠م.
وظل سوء الظن قائمًا بين الطرفين يطل برأسه من حين إلى آخر. فحدث أن اشترك المنذر مع وإلى سوريا في حملة فاشلة على العراق فرد الروم فشلها إليه، ولكي يثبت براءته مما نسب إليه أغار مع أعوانه العرب وحدهم على الحيرة وألهب فيها الحريق.
وإذا كان المنذر قد فعل هذا ليرضي سادته على حساب بني عمومته، فقد اعتبروا نجاحه في هذه الغارة تحديًا لهم ولفشلهم، ونجح أعوان الإمبراطور في هذه المرة في القبض على المنذر ونفيه إلى صقلية، وقطع المعونة التي كانت بيزنطة تقدمها إلى دولته.
وحاول أولاد المنذر الغساني أن يثأروا له فشبت المنازعات بينهم وبين البيزانطيين. وكان على رأسهم أخوهم الأكبر النعمان، الذي سماه أبوه باسم خصمه أيضًا، ولكن محاولاتهم لم تجد وتشتت شمل أسرتهم الحاكمة منذ عام ٥٨٣ أو ٥٨٤م ففقدت ملكها الواسع وهبط زعماؤها الكبار إلى مرتبة الإمارة وترأسوا مناطق متفرقة من ملكهم القديم - وقيل: إن بعضهم مال إلى جانب الفرس نكاية في الروم. وأضعف من آمال الغساسنة في استرجاع مجدهم استيلاء جيوش الفرس على بلاد الشام في عام ٦١٣م. ولم يكن من المنتظر أن يطمئنوا إليهم بعد عدائهم القديم ولحلفائهم. ثم سنحت الفرصة للغساسنة من جديد بعد نجاح جيوش هرقل قيصر الروم في إجلاء جيوش الفرس عن الشام في عام ٦٢٩م. ويبدو أن ساسة الروم أدركوا أن لا أمان للأطراف الصحراوية وقوافل التجارة البرية إلا إذا عادت الزعامة إلى أهلها من الغساسنة، ومن هنا ظهرت أسماء أمراء جدد عاصروا ظهور الإسلام ومنهم الحارث بن أبي شمر الغساني أمير مؤتة الذي أرسل