للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بمكة والحرم، وقصة الذبيح، دون إسحاق وبرية فاران التي قال بها يهود العهد القديم، إلا إذا كانت تسمية فاران هذه تسمية عبرية تطلق على مواضع منها مكة كما أخذ بذلك بن منظور في لسان العرب، وهو ما تزكيه كذلك تسمية التوراة للعرب بالإسماعيليين نسبة إلى أبيهم إسماعيل حيثما امتد نشاط قبائلهم من شبه الجزيرة إلى جنوب الشام، ثم قول سفر التكوين من التوراة ١٦: ١١ في صلة هاجر بإسماعيل: وقال لها -أي: لهاجر-: ملك الرب ها أنت حبلى فتلدين ابنًا وتدعين اسمه إشماعيل لأن الرب قد استمع إلى مذلتك، وحينما أمر إبراهيم بالتضحية، بابنه كان من المفروض أن يضحي ببكر أولاده وهو إسماعيل.

ونضيف هنا أنه كان بعض غلاة اليهود قد حاولوا التشكيك في قدم اسم إسماعيل الأب الروحي للعرب، ومدى شيوعه في العالم القديم، فثمة ما يلقمهم حجرًا في وجود اسم يشمع إل بمعنى يسمع الله أو إسماعيل في نص آكدي عراقي يرجع إلى أكثر من أربعة آلاف عام، ثم وجوده بعد ذلك في نصوص نبطية وصفوية تسبق العصر الجاهلي والعصور الإسلامية.

تعددت الآراء قديمًا وحديثًا في تفسير تسمية مكة. على نحو ما تعددت أمثالها في تفسير ما عداها من مسميات المواضع القديمة. وظهر من آراء اللغويين المسلمين ما عقد الصلة بينها وبين ألفاظ عربية معينة تشبهها في الشكل والنطق أو في دلالة التقديس. ومنها: المتك وهو امتصاص الماء حين قلته. وامتصاص الفصيل للضرع، وربما امتصاص الناس إلى مكان ما، والمتك وهو القدرة على إضعاف الجبارين, والمكوك وهو المكان الهابط بين مرتفعين. وربما المك أيضًا أو المكاء وهو طواف بعض الجاهلين بالصفير أو التصفيق.

ولمالم يكن في كل هذه المشتقات ما يشفي الغليل، اتجهت آراء حديثة إلى عقد المقارنات بين اسم مكة وبين بضعة ألفاظ من لغات أو لهجات أخرى قريبة الصلة باللغة العربية الشمالية. ومنها لفظ مكربة أو مكارابو في اللغة العربية الجنوبية بمعنى التقديس والتقريب وهيكل القربان. وقد شابه هذا اللفظ الأخير ما أشار إليه الرحالة بطلميوس السكندري من وجود مدينة عربية تسمى ماكورابا Macoraba. سبق إنشاؤها بطبيعة الحال العهد الذي عاش فيه وهو منتصف القرن الثاني للميلاد.

واقترح رأي آخر تقارب اسم مكة مع لفظ مك البابلي بمعني البيت بحيث إذا أضيفت كلمة رب ليكون مكرب كان معناه بيت الرب، على سبيل

<<  <   >  >>