للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعربية قد أولتها أخيرًا عناية خاصة في حفائرها بشرق شبه الجزيرة ومناطق دول الخليج العربي. وسوف نتناول خصائصها وماتدل عليه حين الدراسة التفصيلية للأماكن التى وجدت فيها في الفصل الحادي عشر.

ومن المحتمل أن تكون شبه الجزيرة العربية قد شاركت بقية مناطق الشرق الأدنى منذ العصر الحجري الحديث فى الألف السادس ق. م. أو نحوه في معرفة حرفة الرعي بعد مرحلتين متتابعتين مهدتا لها، وهما مرحلة أسر بعض الحيوانات البرية الصغيرة من آكلات العشب لتكون احتياطيًا حيًا من اللحم في فترات الجفاف وقلة الحيوانات، ثم مرحلة استئناسها وتعويدها على جيرة الإنسان، لاسيما ما كان منها من ذوات الظلف المدرة للبن.

وحين نتناول ظروف شبه الجزيرة في تلك الدهور البعيدة، فلا ينبغي أن نتصور لها حدودًا مغلقة على أهلها أو أمام أهلها، فالحدود الإقليمية لم تكن معروفة بعد، وكانت الجماعات تنتشر هنا وهناك حيثما استطاعت وفي كل اتجاه بحثًا عن الأراضي النباتية والمعشبة التى يتوافر فيها حيوان الصيد والرعي وموارد الماء على نطاق الشرق الأدني باتساعه الكبير.

ومن المحتمل كذلك أن الموقع المتوسط لشبه الجزيرة العربية قد يسر لبعض سكان أطرافها أن يشاركوا في نقل المتاجر المناسبة لعهودهم بين أقطار الهلال الخصيب حين بدأت عصورها التاريخية منذ الألف الثالث ق. م. وازدادت معها إمكانياتها ومطالبها. كما قام بعض هؤلاء السكان بدور الوسيط التلقائي في المناطق التي يرتادونها، عملوا كذلك في صلب العصور التاريخية على نقل ما يمكن الاتجار به من منتجات بلادهم نفسها لا سيما منتجات البخور واللبان والصموغ والمر من الجنوب العربي.

ويبدو أن هذا الدور التجاري لم يتم على نطاق أوسع إلا بعد استئناس الجمل سفينة الصحراء واستخدامه في النقل والأسفار، نظرًا لما هو معروف عن قدرته على تحمل المشقة والعطش والسير المتصل في رمال الصحراء. وليس من المستبعد أن معرفة الإنسان بالإبل كانت قديمة وتقرب من قدم معرفته بغيرها من الحيوانات آكلة العشب المدرة للبن (ففي مصر القديمة مثلًا كشف عما يشبه هيئة الجمل في نحو ١٥ نموذجًا أثريًا منذ فجر التاريخ حتى الدولة الحديثة). ولكن الغريب هو أن مصادر شبه الجزيرة والهلال الخصيب ومصر لم تذكر الجمل أو اسمه صراحة إلا في وقت متأخر يقدره الباحث ألبرايت ( W.Albright) بالنصف الثاني من الألف الثاني ق. م. (وفي حوالي القرن ١٢ق. م.). وإذا صح أن هذا التاريخ ينطبق فعلًا على استخدام الجمل في النقل والتنقل في شبه الجزيرة لكان فيه ما يفسر بداية

<<  <   >  >>