التغيير في الحياة النمطية لسكانها في وقت لاحق بقليل. ويبدو أن العرب كانوا قبل ذلك يعتمدون على الحمير. ولهذا ظلت تحركاتهم بطيئه، فلما استخدموا الإبل زادت إمكاناتهم الاقتصادية وأصبحوا أقدر على مداومة الاتصال بعضهم ببعض. وعلى تكوين الوحدات السياسية فى بعض المناطق المشجعة على حياة الاستقرار. واتسعت آفاق اتصالاتهم حينذاك بجيرانهم في الهلال الخصيب وانتفعوا ببعض عناصر خصائص حضاراتهم المتقدمة وأخصها فكرة الكتابة. وربما زكى هذا الارتباط ما يتجه إليه بعض الرأي من إرجاع أوائل النصوص العربية المعروفة، وهي مجرد مخربشات أولية في مثل وادي بيجان بالجنوب العربي، إلى أواخر الألف الثاني ق. م. وقد وجدت حول نبع ماء دائم وعدة برك صغيرة.
وبفضل العوامل الطبيعية والبشرية والتطورية التي تقدم ذكرها ظهرت دول وإمارات عدة على فترات مختلفة في مناطق متفرقة من شبه الجزيرة. فتميزت في الجنوب العربي خمس دول كبيرة، وهي سبأ وقتبان وأوسان ومعين وحضرموت، وقد تعاصر بعضها على بعض، وتعاقب بعضها إثر بعض. وكانت للدولة الأولى منها وهي سبأ عدة أطوار متعاقب. وانتفعت هذه الدول بما اتصفت به بيئاتها من الوفرة النسبية في الأمطار والوديان والأنهار. والوفرة النسبية بالتالي في محاصيل الزراعة ومنتجاتها البخور والصموغ واللبان والمر والذريرة، وربما في بعض المعادن أيضًا كالذهب. وانتفعت كذلك بإشرافها على مداخل طرق القوافل التجارية الرئيسية التى كانت تربط بين جنوب شبه الجزيرة وبين شمالها ثم تتفرع بعد ذلك إلى مختلف مناطق الهلال الخصيب، ثم بإشرافها شيئًا فشيئًا على مناطق ساحلية طويلة أطلت بموانيها (المحدودة) وخلجانها الطبيعة على البحر الأحمر وعلى المحيط العربي (أو الهندي) فتعاملت منها مع مناطق الإنتاج الطبيعي على سواحل أفريقيا الشرقية. وبعد ذلك مع سواحل الهند الغربية. وقامت بدور الوسيط التجاري في تصديرها إلى مناطق الاستهلاك والاستيراد في العالم الخارجي المتحضر القديم.
وتوزعت مناطق العمران والاستقرار والحضارة فى المناطق الشمالية والغربية والوسطى والشرقية من شبه الجزيرة العربية والخليج، على أسس مشابهة فتركزت في الوديان وحول موارد المياه في مناطق الواحات والحرات وحول الطرق التجارية الداخلية. والطرق التجارية الكبيرة المؤدية إلى الخارج، وحول الخلجان والموانئ على السواحل البحرية.
وهكذا ظهرت مع توالي العصور إمارات مدين وعاد وثمود. وممالك دومة، وقيدار، وتيماء وددان، ولحيان، والأنباط، وكندة وتجمعات مذحج والأزد