أنه تلقى من إتي أمر السبأي (أو السبئي) جزى من الذهب والأحجار الكريمة والأعشاب والخيول. ثم ذكر نص لولده الملك الآشوري سيناخريب في عام ٦٨٥ ق. م. أنه حين احتفل بوضع حجر أساس بيت أكيثو (وقد يكون معبدًا أو حصنًا أو قصرًا). استقبل منودبًا عن الحاكم السبأي كريبي إيلو حمل إليه جزاه (أو هداياه) من المعادن الثمينة والأحجارة الكريمة والطيوب، ووضع جانبًا منها بأمر مولاه في أساس المبنى الجديد.
ولم يجد الباحثون المحدثون بأسًا في اعتبار اسمي الحاكمين السبأيين اللذين ذكرتهما النصوص الآشورية. محرفين عن بيع أمر وكرب إيل، وهما من حكام سبأ الأوائل. ثم أضافت النظرية الأولى أن السبأيين الذين صورتهم هذه النصوص يدينون بالولاء لدولة آشور لابد وأنهم كانوا يحسون بسطوتها ويخشون بأسها، وبمعنى آخر كانوا قريبين منها في شمال شبه الجزيزة وليسوا بعيدين عنها فى مناطق الجنوب.
ولكن هذا الاستنتاج يضعفه من ناحية أخرى أن هومل وغيره (مثل سان جون فلبي) أرخوا بداية الكيان السياسي لحكام سبأ الجنوبية بعام ٨٠٠ أو٨٢٠ ق. م. وإذا صح هذا فلابد أنه حدث بعد فترة طويلة تكفي لاستقرارهم وبسط سيطرتهم على الأراضي التى نزلوها جنوبًا. وهو أمر يتعارض بداهة مع سابق الظن بوجود دولتهم في الشمال وتأثرها المباشر بسطوة الآشوريين حتى عهد سينا خريب في أوائل القرن السابع ق. م.
ولا يكفي في هذا القول بأن الضغط الآشوري على طرق التجارة في شمال شبه الجزيرة هو الذي اضطر السبأيين إلى النزوح إلى الجنوب. فالمصادر الآشورية لم تصور السبأيين كأعداء تعمل جيوشها على طردهم وحرمانهم من التجارة، وإنما صورتهم مهادنين لملوكها تتوافر فيها علامات الود والطاعة، وإن أدوا الجزى إليهم أو أرسلوا هداياهم إلى بلاطهم.
وهكذا يبدو أقرب إلى الاحتمال أن السبأيين الشماليين المتصلين بدولة آشور كانوا مجرد جالية تجارية أقامت قرب تيماء ومنطقة الجوف الشمالي كما رأت النظرية الثانية، لترعى المصالح التجارية لدولتها على طرق القوافل، وكانت تحس بسطوة الآشوريين فعلًا لقربها منهم وترى من مصلحتها أن تنتفع من الإتجار معهم والاحتماء بهم، ولم تجد بأسًا من أن تقدم إلى ملوكهم هداياها بأسماء ملوك دولتها الجنوبية، كما أن الآشوريين لم يجدوا بأسًا من ناحيتهم في أن يروا طاعتها لهم تعبيرًا عن طاعة دولتها الجنوبية لسلطانهم.