للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقائها موالية له. وكانت هذه الأراضي الأوسانية الأصل تطل على ساحل البحر الأحمر وتنتفع من موارده التجارية، ولهذا عملت قتبان على تدعيم سلطانها عليها وتوسيع رقعتها لمصلحتها.

ومع منطقية هذين السببين السياسي منهما والتوسعي للتحول إلى الملكية في قتبان، لا بأس من تقدير عوامل أخرى داخلية غالبًا ما تتماثل نتائجها في نظم الحكم الثيوقراطية الأصل. ذلك أن تجارب التاريخ أوضحت أن الصبغة الثيوقراطية في الحكم أشبه بسلاح ذي حدين. فهي وإن ضمنت القداسة للحاكم الأعلى وكفلت له الولاء لروحي من شعبه. إلا أنها كانت تخلق أمامه على مر الزمن منافسين من كبار رجال الكهنوت الذين يشاركونه السلطة باسم الدين، وحينذاك يرى من مصلحته أن يرتفع عن مستوى رياسة الكهنوت إلى مستوى الملكية ذات السلطات الشاملة.

وعلى أية حال. فإن التحول نحو الملكية في قتبان لم يمنع بعض ملوكها من العودة إلى التلقيب بلقب المكرب بين حين وآخر تأكيدًا لصفتهم الدينية ولا سيما في أوقات الأزمات، وقد تلقب به الملك يدع أب ذبيان في القرن الثاني ق. م. وكذا الملك شهر يجل يهرجب، ولم يقلل من استمساكهم بالألقاب التي أكدت صلتهم المباشرة بمعبوداتهم والتي كان منها ما يعتبر الملك ولد المعبود عم، والابن البكر لكل من أنباي وحوكم.

واستمر الحكم الأعلى وراثيًا في الأسرة المالكة في قتبان يتولى العرش فيه الابن بعد أبيه، أو الأخ بعد أخيه إن لم يكن له ولد يخلفه. وربما اشترك ولي العهد مع الملك الحاكم بعد أن تتقدم به السن كي يأخذ عنه خبرته ويمارسها بصورة عملية، ويؤيد حقه الوراثي عن طريق هذا الاشتراك ويضمن عدم منافسة إخوته له فيه بعد موت أبيه، وحينذاك تصدر المراسيم باسم الحاكمين الشريكين معًا. ولم يكن الوطن القتباني أقل منزلة عند أهله من مقدساتهم الدينية، فإلى جانب القسم الرسمي بأسماء المعبودات لاسيما عم وأنباي، وباسم الملك الحاكم، كان يقسم كذلك باسم قتبان.

وفي ظل الملكية قام في قتبان مجلس للأعيان من شويخ القبائل وكبار الموظفين أطلق عليه اسم (م س د) أو مسود، ووجد له شبيه بنفس الاسم في دولة معين، ولا ندري أيهما سبق الآخر. وجرت العادة على أن يجتمع هذا المجلس في العاصمة تمنع بدعوة من الملك، ربما لمرتين على الأقل في كل عام، للنظر فيما يعرض عليه من شئون الضرائب والمنشآت العامة، وللمداولة في أمور لحرب والسلم. وإصدار العفو الكلي أو العفو الجزئي في القضايا الكبيرة.

<<  <   >  >>