للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعبودات أو المعابر بقرابينها، أو من يزود دولته بخيراتها. واعتمد هذا الترجيح على بقاء هذا اللقب مزود ضمن ألقاب حكام معين المتأخرين حتى بلغوا أن تلقبوا بألقاب الملوك.

وعملت معين على استثمار أراضيها الصالحة للزراعة بإقامة بعض مشروعات الري الصغيرة للاستفادة من الأمطار والسيول ومياه نهر خارد وفروعه، وذلك مما جعل الرحالة الروماني بلينى يصف أراضيهم بأنها أرض خصبة تكثر فيها الأشجار والنخيل والأعناب ولهم فيها قطعان كثيرة. غير أن معين اعتمدت في حياتها الاقتصادية أكثر ما اعتمدت على الاشتراك بنصيب كبير في تصدير منتجات الجنوب إلى أسواق التجارة الخارجية، ولاسيما منتجات اللادن والكندر والمر، التي كانت ترحب بها معابد الهلال الخصيب ودول البحر المتوسط ترحيبًا كبيرًا، وذلك مما جعل نفس الرحالة بلينى يعقب بقوله: والمعينيون منطقتهم يمر فيها ترانسيت الكندر عبر طريق ضيق. وهم الذين بدأوا التجارة وأهم من مارسوها. واتخذ نوع من البخور اسمه من اسمهم وهو البخور المعينى Minaean.

ويبدو أن مكاسب هذه التجارة التي سبقت عهد بليني بقرون طويلة هي التي حركت أطماع دولة سبأ منذ عهود المكربين ضد دولة معين. وقد مر بنا كيف تكررت الحروب بينهما في عهود المكربين الأواخر، وكيف أسرفت جيوش كرب إيل وتر (الثاني) السبأي في تدمير مدن معين وتشريد أهلها حتى ما يمتد إلى نجران. وإذا كنا قد تشككنا في صحة الأعداد الضخمة التي ذكرتها نصوصه عن قتلى المعينيين وأسراهم (راجع الفصل الخامس). فإن نفس هذه الأعداد تعبر ضمنًا عن اتساع عمران معين القديمة.

وعندما استردت معين كيانها بدأت بها عصور الملكية في أوائل القر الرابع ق. م. واعتاد ملوكها على أن يتلقبوا بكنيات شخصية معبرة حاول هومل وغيره تفسيرها، مثل: صدق بمعنى الصادق أو العادل، ويشور بمعنى المستقيم، وريام بمعنى المتعالي ... إلخ.

وعلى الرغم من غلبة نظام الحكم الملكي في معين ظل لمشايخ القبائل وأعيان العاصمة مجلس مسود بنفس الاسم الذي عرف به مثيله في قتبان ويراجع له الفصل السادس. وقد وصف بأنه مسد منعن أي المجلس المنيع أو شيء من هذا القبيل. وكانوا يجتمعون فيه بدعوة من الملك للبحث في أمور الضرائب والمنشآت العامة والمداولة في أمور الحرب إن وجدت، والتصديق على

<<  <   >  >>