العقود التي تبرمها الدولة مع كبار الأفراد وتعهد إليهم بمقتضاها بتنفيذ بعض مشروعاتها الدينية أو المدنية وتتفق معهم فيها على الموارد التي ينفقون منها على هذه المشروعات.
ويغلب على الظن أنه قامت إلى جانب هذا المجلس الرئيسى في العاصمة مجالس أخرى فرعية في المدن الكبيرة والأقاليم كانت تشكيلاتها واختصاصاتها تشبه المجالس البلدية أو القروية الحالية.
وتولى رياسة حكم الأقاليم والمدن الكبيرة في معين موظفون تلقب كل منهم بلقب كبر أي كبير، أو وال، وتولى كل منهم رعاية شئون إقليمه باسم ملكه في شئون القضاء وفي جباية الضرائب وفي إقامة المشروعات الإقليمية.
غير أن الكبراء أو الولاة لم يكونوا المشرفين وحدهم على جباية الضرائب وإنما أخذت دولتهم في نفس الوقت بنظام الالتزام في تحصيل بعض ضرائبها، وهو نظام سبق أن أشرنا إلى تطبيق مثله في قتبان وغيرها (في الفصل السادس). وكان معدل الضرائب يدور حول العشر أو ما يقرب منه ويؤدى عينيًا عادة.
وبحكم موقعها الشمالي ظلت معين أكثر اتصالًا بطرق التجارة الشمالية الرئيسية التي تخرج من عاصمتها قرناو ومن تابعتها نجران، إلى نجد وما ورائها وإلى الحجاز وما ورائه. ولرعاية قوافل المتاجر التى تسلك الطريق التجاري البري الكبير على طول الحجاز والممتد إلى العقبة وما يتفرع منها إلى سيناء المصرية، وإلى غزة ومعان في جنوب الشام، زودت معين هذا الطريق بحاميات وجاليات معينية كان استقرارها في مدن الحجاز من عوامل التزاوج والاختلاط السلمي بين عرب الشمال وبين عرب الجنوب كما كان من أسباب ما تناقله النسابون عن تناثر بطون جنوبية أو قحطانية بين العرب الشماليين (في مثل مدينة يثرب في عصور تالية).
وأقامت أكبر الجاليات أو الحاميات المعينية في واحة العلا شمالي يثرب وكانت في بعض عصورها مقرًا لدولة ددان ودولة لحيان مما سنتناوله فيما بعد بتفصيل. وعندما زاد النفوذ الاقتصادي لهذه الجالية زاد بالتالي نفوذه السياسي حتى غدت منطقتها حليفة لدولة معين يتولاها كبير أو كبيران على صلة بالملك المعيني الجنوبي. وربما حدث هذا التطور في أواخر القرن الثالث ق. م. وأصبحت المنطقة تذكر معه في النصوص إلى جانب أسمائها القديمة باسم ... الجنوبية أي معن أو معين، مع تخصيصها بكلمة مصرن.
وتعامل تجار معين ووسطاؤها من معن مع العواصم المصرية واستقر