وأقرب إلى الوقائع التاريخية فيما كتبه هؤلاء المؤرخون المسلمون هى أخبار عهود الجاهلية القريبة من ظهور الإسلام، أما ما سبقها من عصور فقل منهم من أخضع رواياته عنها للنقد العلمي، وندر منهم من استطاع أن يقرأ نصوصها القديمة قراءة سليمة.
وكما كانت أشعار الجاهلية من المصادر التى اعتمد عليها هؤلاء المؤرخون وكثير غيرهم، فهي لازالت فى حد ذاتها مصدرا لتصوير أيام العرب وحروبهم وعاداتهم الاجتماعية ومثلهم العليا، وذلك على الرغم مما ينبه النقاد إليه من كثرة منحولاتها الأدبية والتاريخية.
تلك إذن مصادر عدة فيما رأينا، ولكنها فى حقيقتها لاتزال مصادر شحيحة لا تعطي الكثير لا سيما بالنسبة للعصور الأولى من التاريخ العربي القديم، وهي باستثناء آيات القرآن الكريم، تتفاوت فيما بينها فى مدى صحتها ومدى وضوح تعبيراتها، ومدى المحلية أو العمومية فى أخبارها، وإن كانت لا تخلو على الرغم من بعض أوجه النقص فيها، مما يستفاد به منها فى تحديد وتصوير الخطوط العامة للتاريخ العربي القديم.
وليس من شك في أن أوسع المصادر السابقة تعبيرًا عن أحوال سكان شبه الجزيرة الأقدمين، هما المصدران الأولان: أي الآثار العربية القديمة الباقية، والنصوص العربية القديمة الباقية.
وقل نصيب أراضي المناطق الوسطى والشمالية والشرقية لشبه الجزيرة العربية من هذين المصدرين حتى الآن نتيجة لأربعة أسباب هي: