تصرفات لا تصدر من عاقل فضلا عن صاحب دعوة إصلاح استعدوا عليه كل قوة ولكنه يناضل ويجاهد في صبر وإصرار وصدق في وجه المعارضة مهما كانت قوتها وصلابتها وكثرت أتباعها وسخر لسانه ويده وقلمه وماله في خدمة دينه ونجاح دعوته، فلما علم الله صدقه واحتسابه أظهره على خصومه فصار صاحب القول الفصل في المنطقة والرأي المطاع والسياسة النافذة ومحل التقدير والاحترام من الناس كافة بما فيهم المعارضة وذراريهم فنال بذلك عز الدين وصارت كتبه ومؤلفاته مرجعا للخاص والعام يدعى له عند البدء في قراءتها وتصحح بها العقيدة ويعرف بها الحلال من الحرام ويتربى عليها طلاب العلم وتقام عليها مدرسة إصلاحية راسخة الأصول والفروع.
وقد هدى الله به أمة كاملة في أجيال متعاقبة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب:"فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا هو خير لك من حمر النعم" وحمر النعم هي من نفائس الأموال عند العرب. فإذا كان هذا الأجر كله لمن هدى الله على يده رجلا واحدا فكيف يكون أجر من هدى الله على يده خلقا كثيرا بل أمة كاملة في أجيال متعاقبة وذلك فيه أفضل البشارة لهذا الإمام عند الله في الآخرة وقد أبقى الله له ذكرا حسنا وجعل الدعوة والإصلاح باقية في عقبه والحمد لله.
هذا وكان في نجد علماء عاصروا الشيخ محمد بن عبد الوهاب أيام دعوته كانوا على جانب كبير من العلم ولهم مكانة اجتماعية ودينية شبيهة بما للشيخ محمد أسرته قبل قيام دعوته. ولكنهم وقفوا من الدعوة الإصلاحية موقف المعارض لأسباب متعددة سبقت الإشارة إلى شيء منها ولم يكتب لهم التوفيق في عملهم ولم يستطيعوا أن يحيوا حياة طيبة في الدنيا بل عاشوا في ضيق وتشرد ولم يبق لهم ذكر حسن وطويت صفحة تاريخهم طيا عجيبا ونسوا حتى لا يعرف عنهم إلا القليل القليل مما كان لهم في حياتهم من جهود وأعمال. وهذه تعد إحدى العبر التي ينبغي للبيب أن يتأملها ولا يتجاوزها حتى يأخذ نفسه بالحق ويأطرها عليه ويدعوا الله بالتوفيق والسداد وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين فيتيه أو يضل وهو درس ينبغي أن يعيه أحفاد الإمام محمد بن عبد الوهاب وغيرهم ليأخذوا لأنفسهم العبرة وليغذوا السير في درب الهدى