للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا تمت البيعة١ بين الإمام والأمير رحمهما الله تعالى، وأينع الصبر وبدأ الجهد يثمر، واستغلظ زرع الدعوة، وأخذ يستوي على سوقه ليعطي الغلال الطيبة، ويبنشئ مداً إسلامياً زاخراً عظيماً ينتشر في العالم، وتتساقط أمامه معاقل البدع، وتتهاوى بين يديه الأنصاب والأزلام، وتذوب من حوله القيم الزائفة المصطنعة. جاءت هذه الثمار من خارج العيينة، وهذا في الواقع من الدلائل التي تكشف للمتأمل أن يد العناية الإلهية تحوط حياة الدعوة وظروفها من كل جانب، كي لا توجد في أي جانب منها ثغرة لمطعن يقوم به مشكك أو محترف غزو فكري، لأن الدعوة إلى الإسلام جزء لا يتجزأ من حقيقة الإسلام نفسه، وقد أخذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب نفسه بهدى النبي صلى الله عليه وسلم وصنع ما صنعه الرسول صلى الله عليه وسلم وأنصاره في بيعة العقبة، واستعمل الصيغة النبوية نفسها، وهذا يدل على شدة العناية بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهكذا كانت البيعة بين الإمام والأمير نقطة تحول هامة في تاريخ الدعوة، وفي حياة نجد الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل وفي تاريخ الصحوة الإسلامية الحديثة.

وبقي الشيخ رحمه الله في الدرعية سنتين يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان يرسل برسائله ومناظراته إلى أهل البلدان المجاورة ورؤسائهم


١ يذكرنا القول ببيعة العقبة الكبرى كما جاء في الصحيح عن ابن إسحاق وابن هشام وأحمد وابن جرير وفيه: "أن أبو هيثم بن الثنيان قال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال -يعني اليهود في المدينة- حبالاً وإنا قاطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا. قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم، وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم".

<<  <   >  >>