للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاه الملك نصيب، وبذلك تبدلت دماء الثأر بدماء النسب، ومشاعر الحقد بالمودة والولاء، فقد ضرب عبد العزيز حتى أوجع، وأعطى حتى أغنى، وعاهد وفجر موارد الثورة في بلاده وعاش ومات في قصر من الطين، يقول عبد الحميد الخطيب عن عبد العزيز: هو ذلك الرجل الطيب النفس، الكريم الخلق، الذي يكره الكبرياء ويمقت العظمة، ويتمثل دائما بقول القائل: يا ابن آدم: أصلك من نطفة قذرة وتحمل العذرة وستغدو جيفة نتنة، فكيف تبتغي العظمة؟ ويذكر قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: "الكبريائي ردائي، والعظمة أزاري، فمن نازعني فيهما قصمته ولا أبالي" ١، لقد عرف ربه فاحتقر نفسه وتجرد من كل حول وطول، وأسلم لله جميع أموره، فلا يرتجي من غيره العون، ولا ينفك لسانه من قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (الأنفال: ١٧) .

منحه الله من الخصال أحسنها، ومن الفضائل محاسنها وأوفاها، وأعطاه الله الملك، وخلق في مؤهلاته فزاده بسطة في العلم والجسم ... تواضع لله فرفعه الله، وجاهد في الله فتولاه الله، وخاف الله في سره فخاف منه أعداؤه، وراقب الله في عمله فمهدت سبيله، وأحب الله فأحبه الناس، وعامل الله فحسنت معاملته، وصفت أيامه، وأغدق عليه الخير الجزيل، واعتمد على الله فأناله الله ما يريد، ووثق بالله فلم يخيبه الله قط، وكان له نعم المعين، فأصبح مثلاً قائماً حياً ملموساً لرجال الله الصالحين المتقين٢. حارب الخرافة والجهل، وقلم أظافر الجريمة، ونشر الأمن والعدل في البلاد، وسلك في تحضير البادية منهجاً فريداً حيث أنشأ نظام الهجرات ليستقر البدو


١ أخرجه أحمد ٢/٢٤٨، ٣٧٦، ٤١٤، ٤٢٧، ٤٤٢، وأبو داود وابن ماجه.
٢ الإمام العادل: ص ١٦.

<<  <   >  >>