للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو استعرضنا تاريخ الإسلام بشكل سريع من أول عهده حتى اليوم لوجدناه هدفاً لهجمات عنيفة، ومؤامرات خبيثة، لا تعرف الرفق، ولا ترضى إلا هدم بنيانه، ونسف أركانه، منها على سبيل المثال، الباطنية ومذاهبها، وهجوم التتار والصليبيين مروراً بتحرف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وظهور البدع، وتسرب الأعمال الشركية، وتفشي أعمال الجاهلية، وفتن الإلحاد والزندقة، ولكن الإسلام طوى هذه المحن وأهلها تحت جناحيه، فكانت كأمس الذاهب، وسحق إلى المعالي، وقام رجاله الأقناء بفضح المحرفين والمنحرفين، والمتآمرين، ونفضوا الغبار والخرافات بالدعوة، وصدعوا بالحق الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فشق الإسلام طريقه من جديد إلى أسماع القلوب، وفتح عقولاً في ميادين العلم والحكمة والحياة.

وقد ملك رجال الإسلام النوابغ الإيمان بالقوي، والسمو الروحي، والنزاهة عن الأغراض، والتفاني في خدمة الدعوة إلى الخير، فكانوا بهذه الصفات أشبال هذه الليوث التي قام الإسلام في عهده الأول على أكتافهم، والدارس لتاريخ المسلمين عامة، يرى أن حياتهم بين المد والجزر، فإذا أهملوا واجبهم الشرعي ضعف الإيمان في قلوبهم، ودب الوهن في أوصالهم، فتفرقاً طرائق قدداً، وذهبت ريحهم، ولم يستطيعوا مقاومة الفتنة، وأصبحوا كغثاء السيل، فإذا قيض الله تعالى لدينه مجدداً يدعو العباد إلى الخير، ويوقظهم من غفلتهم ويوجههم إلى الدين والعلم، وضح لهم الطريق، واستنار السبيل، وقامت الحجة، وراجت سوق الجنة، كل ذلك بتأثير العاملين المخلصين، وصدقهم وحسن تمثيلهم للإسلام،

<<  <   >  >>