للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الصالحين سبيلاً، وهذه حقيقة لا يحفظ التاريخ الإسلامي كله واقعة واحدة تخالفها، ونحن نقرر في ثقة بوعد الله عز وجل لا يخالجها شك، أن الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين، ولم تلحق بهم في تاريخهم كله إلا وهناك ثغرة في حقيقة الإيمان، إما في الشعور وإما في العمل، وبقدر هذه الثغرة تكون الهزيمة الوقتية ثم يعود النصر، ولو ذهبنا نتتبع كل مرة تخلف فيها النصر عن المسلمين في تاريخهم لوجدنا شيئاً من هذا، فلا بد أن يدافع الموحدون عن التوحيد، وأن يلقوا في سبيله العنت والألم والشدة والضر، وأن يتراوحوا بين النصر حيناً والهزيمة حيناً آخر، حتى إذا ثبتوا على الحق لم تزعزعهم شدة، ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق الفتن، استحقوا نصر الله عز وجل، لأنهم يومئذ أمناء على دين الله عز وجل، صالحون لصيانة الهدى الحق والذود عنه.

إن النصر مدخر لمن يستحقونه، ولن يستحقه إلا الذين يصمدون للزلزلة، ولا يحنون رؤسهم إلا لله رب العالمين، فيهبهم قوة ويصفيهم، ويكسب دعوتهم عمقاً وحيوية وإشراقاً يتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها، وعندئذ ينحازون إليها بعدما كانوا يحاربونها، ويناصرونها بعد مناوءة وعداء، وهذا حصل للدعوة الإسلامية التي قام بها الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فاستأسد عليها الثعالب، واستنسر عليها البغاتة، وتربص بها وبأصحابها المتربصون، ونكل بالمخلصين من أبنائها ونالهم كل مكروه باللسان واليد، والدعاة يعلمون أنها ليست أولى المحن التي مرت على المسلمين، وأنتم تعلمون أنه مرت على الجزيرة العربية أيام كانت منزوية، تمر مواكب الحياة من أمامها فلا تحس بها ولا تراها، لم يكن لها كلمة، ولم يخرج منها دعاة، ولا تملك جامعات، فانظروا مكانتها اليوم بحمد الله عز وجل، وتأملوا المسلمين اليوم في جزيرة العروبة، وموطن الإسلام الأول.

<<  <   >  >>