وأطرق القائد المسلم قليلاً ثم قال: يا رومانوس، أتعاهدني إن عفوت عنك ألا تقاتل بعد اليوم مسلماً أبداً. قال رومانوس وقد دمعت عيناه بعد أن أدرك أنه نجا من موت محقق: لك عهدي يا قائد المسلمين.
وقام ألب أرسلان ففك قيود أسيره بيديه، وقال له: ستوصلك جنودي إلى مأمنك يا رومانوس، ولقد أمرت لك بخمسة عشر ألف دينار تستعين بها على وصولك، وحقق الله عز شأنه للمجاهدين المخلصين ما وعدهم بقوله:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(التوبة) .
وهكذا نرى البطولة والانتصار يخدمان قضية الإسلام وهدف الدعوة إليه، ولا يقل عمل المصلحين الذين يصححون المفاهيم المنحرفة عن المجاهدين الذين يردون كيد الأعداء، ويحمون بيضة الدين، ويتساوى في الإسلام مداد العلماء ودم الشهداء، ولقد كان تاريخ الإسلام قائماً دائماً على القدرة المتجددة في أن يبعث البطل الذي يقود المعركة، ويواجه الأزمة، وكلما تجمعت التحديات في وجه المسلمين برز القائد العالم المجاهد الذي يحمل اللواء، ويقود الجماعة في معركة مقاومة، سلاحها المصحف والسيف، وكانت الأحداث والأزمات دائماً قادرة على أن تدفع المسلمين إلى الوحدة والتجمع تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى يحقق الله عز شأنه لهم النصر.
ولقد عرف التاريخ الإسلامي عدداً من النكسات، ولكنها كانت كلها مقدمات لنصر كبير ظافر، وقد كانت جماعة الموحدين المخلصين دائماً