للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وخرج المسلمون على غيرهم بنور الإيمان فاتحين فانفتحوا هم في المقابل على ما كانت لدى الأمم من علوم، فسيِطرت الفلسفة على عقول بعض الناس، وربما اتجه المتفلسفون إلى الفكرة لا لأصالتها أو صِلتِها بالحق ولكن لغرابتها، لا رغبة في تحقيق الحق وإبطال الباطل، ولكن للترف العقلي، لا يفرقون بين أمر يتصل بالإيمان وأمر لا صلة له بالإيمان.

ومن جملة ما اطلع عليه بعض المتفلسفين من المسلمين أقوالُ البراهمة في كتابهم " الفَيْدَا" (١) وهو يشتمل على مجموعة أشعار ليس في كلام الناس ما يماثلها في زعمهم.

ويقول جمهور علمائهم: إن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثلها، لأن "براهما" صرفهم عن أن يأتوا بمثلها.

وحكى الإمام محمد أبو زهرة ما أورده أبو الريحان البيروني (٢) في كتابه "ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة ما نصه".

"إن خاصتهم يقولون إن في مقدورهم أن يأتوا بأمثالها، ولكنهم ممنوعون من ذلك احتراما لها" وعقب الشيخ أبو زهرة بقوله:

ولم يبين البيروني وجه المنع أهو منع تكليفي يسبقه الإيمان بهذه الكتب، وتكون دلائل وجوب الإيمان من نواح أخرى، أم هو منع تكويني بمعنى أن براهما صرفهم بمقتضى التكوين من أن يأتوا بمثلها. أي أنه جعل خَلْقَهُمْ وتَكوينهم على نحوٍ لا يستطيعون معه الإتيان بمثلها.

ورجح الشيخ الوجه الأخير بناء على أنه المتفِق مع قَوْلِ جمهور علمائهم، وما اشتهر من أن القول بالصرفة نبع في واديهم.


(١) المعجزة الكبرى القرآن للإمام محمد أبي زهرة ط دار الفكر العربي صـ٧٦.
(٢) توفي سنة ٤٣٠.

<<  <   >  >>