للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ودخلت الأفكار الهندية في عهد المنصور أبى جعفر (١) فتلقفها المحبون لكل وافد من الفكر ركونا إلى الاستغراب في أقوالهم فدفعتهم الفلسفة إلى اعتناق ذلك القول، وطبقوه على القرآن وإن كان لا ينطبق. فقال قائلهم: إن العرب إذ عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن ما كان عجزهم لأمر ذاتي من ألفاظه ومعانيه ونسجه ونظمه، بل كان لأن الله صرفهم عن أن يأتوا بمثله (٢) .

ولم يُسَمِّ الشيخُ أحدا ممن قال بهذه المقولَةِ قبلَ النظام ولكنه أبرز مَرْمَى رَوَاجِ هذه الفكرة وجعل مؤداها إلى أمرين (٣) :

أولهما: أن القرآن ليس في درجة تمنع محاكاته، وليس الإعجاز من صفاته الذاتية.

ثانيهما: الحكم على القرآن بأنه ككلام الناس.

لكن الرافعيَّ في كتابه "تاريخ آداب العرب" (٤) يقول: "كان أول ما ظهر من الكلام في القرآن، مقالة تُعْزَى إلى رجل يهودي يُسَمى لبيد بن الأعصم فكان يقول: إن التوراة مخلوقةٌ فالقرآن كذلك، ثم أخذها عنه طالوتُ ابن أخته وأشاعها، فقال بها بنان بن سمعان الذي تنسب إليه البنانية، وتلقاها عنه الجَعْدُ بن درهم" مؤدب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية " وكان زنديقا فاحش الرأي واللسان. وهو أول من صرح بالإنكار على القرآن والرد عليه وجحد أشياءَ مما فيه، وأضاف إلى القول بخلقه أن فصاحتَه


(١) ثاني الخلفاء العباسيين توفي سنة ١٥٦.
(٢) المعجزة الكبرى القرآن لأبي زهرة صـ٧٦.
(٣) المرجع السابق صـ٧٦، ٧٧.
(٤) تاريخ آداب العرب للرافعي جـ٢ صـ١٤٣.

<<  <   >  >>