للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

غيرُ معجزة، وأن الناس يقدرون على مثلها وعلى أحسن منها. ولم يقل بذلك أحد قبله، ولا فشت المقالة بخلق القرآن إلا مِنْ بعده.

وإذا كان الجعد بن درهم أولَ من صرح بالقول بخلق القرآن وبأنه غير معجز، فإن أول من جَهَرَ بالقول بالصرفة من المتكلمين المعتزلة، أبو إسحاق إبراهيم بن سيار بن هاني النظام (ت٤٢٤هـ) . خلط كلام الفلاسفة بكلام المعتزلة وانفرد أصحابه بمسائل: منها قوله في إعجاز القرآن أنه من حيث الإخبار عن الأمور الماضية والآتية، ومن جهة صرف الدواعي عن المعارضة، ومَنْع العرب عن الاهتمام به جبرا وتعجيزا، حتى لو خلاهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما (١) .

وهذان هما الدافعان اللذان أثارا حفائظ المؤمنين غيرة على الحق، أما أبان ابن سمعان والجعد بن درهم فقد قتلهما خالد بن عبد الله القسرى المتوفى سنة ١٢٦هـ رحمه الله وجزاه خيرا.

وأما النظَّام فإن تلميذه الجاحظ لم ينتظم في سلك طائفته بل خرج عليه راميا نحوه بسهام ما أصاب من علم وآداب عربية، فمع اعتزاله لم يقف من الحق موقف المتخاذل فآثر حرمة الحق على حرمة الشيخ، فكان أول من دفع القول بالصرفة بالإعجاز الذاتي للقرآن الكريم.

لم يوافق التلميذُ أستاذَه، وإذا كان النظام قد اشتهر بالبيان وسرعة الجواب ولسن القول فقد اشتهر الجاحظ "ت ٢٥٥ هـ" بأنه ذواق الكلام وَصَيْرَ فِيُّ البيان. فإن خَالَفَ من يتسرع في الخبر ويبني عليه، فهي مخالفة الخبير العارف بتصريف القول وأفانين التعبير والتفكير.


(١) موسوعة الملل والنحل للشهرستاني صـ٢٤، ٢٥ بالطبعة الأولى سنة ١٩٨١م الناشر مؤسسة ناصر للثقافة - تاريخ آداب العرب للرافعي جـ٢ صـ١٤٤.

<<  <   >  >>