ومن هذا الذي سبق نجد أن العقول قد يخصبها التضاد، فلولا ما نجم من فكر أعور جرى على ألسنة أصحابه قول بعضهم بالصرفة، وقولُ البعض الآخر بنفي الإعجاز عن القرآن، لما هَمَتْ على أرض القلوب المؤمنةِ بواعثُ التوجه نحو الإعجاز وبيانِهِ، وحجاج النافين له.
لذلك أسفرت هذه المعركة عن أمرين هما مظهران للعناية بوجوه إعجاز القرآن الكريم:
أولهما - أن هذه الكتب التي ألفت لم تدع الإعجاز الذاتي ولا قسيمه دون أن تأخذ من كلٍ بطرف. فحين يعرض بعضها للصرفة كوجه يراه البعض، نرى وابلا من الحُجَج الدامغة ينصب فوق الفكرة والقائلين بها ممن لم يعتبرها وجه إعجاز.
ثانيهما - أن هذه الكتب كانت فاتحةً لعلوم البلاغة، ليتسنى لمن لم يكن في عصر القرائح العربية الأصيلة أن ينظر من خلال معارفه البلاغية إلى وجه الإعجاز الذاتي للقرآن الكريم، وهو ما أظل الحِقَبَ المتعاقبةَ على الأمة.