للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعد العز بن عبد السلام الصرفة وجهين من وجوه الإعجاز (١) فأوردها على معنيين، أولهما: صرفهم عن القدرة على معارضته، وثانيهما: صرفهم عن معارضته مع قدرتهم عليها وحرصهم على إبطاله.

وأبو الحسن على بن عيسى الرماني (٢٩٦- ٣٨٦هـ) قال في كتابه النكت: بعد سوق الصرفة كأحد وجوه الإعجاز: وهذا عندنا أحد وجوه الإعجاز التي يظهر منها للعقول "وهو أن الصرف عن المعارضة خارج عن العادة كخروج سائر المعجزات التي دلت على النبوة".

والقول بالصرفة يفسده ويدحضه قول الله تعالى " {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ} " (الإسراء: ٨٨) . ولا يجْهِزُ على وجهيه معا قوله تعالى حكاية عن أهل الفصاحة العربية أنهم قالوا: " {قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} " (الأنفال: ٣١) . فإنه دل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سلبوا القدرة لم يبق لهم فائدة لاجتماعهم، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى (٢) والإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن، فكيف يكون معجزا بلا اتصاف بإعجاز؟.

وإذا كانوا قد صرفوا أول زمان التحدي فهل يدوم هذا مع القرآن لدوام التحدي أو كان عند نزوله؟، إن كان الأول، فقد أقدم البعض على قبول التحدي ولم تقم لكلامه قائمة إلا من حيث يذكر في الخاسرين المغلوبين، وإن كان زمان النزول فهو الآن خلو من الإعجاز، ومن الذي أتى بشيء من مثله فيما بعد العصر الأول؟ لا أحد، والإجماع على عجز المعارضة له يشهد بأنه معجزة باقية.


(١) الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة صـ٢٧١.
(٢) الإتقان صـ١٠٠٦.

<<  <   >  >>