للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأما أن يكون قد بقيت في النفوس بقية بكونه معجزا للخلق ممتنعا عليهم الإتيان بمثله على حال (١) فلا موضع لها.

"والذي عليه الجمهور والحذاق وهو الصحيح في نفسه أن التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالى فصاحة ألفاظه. {فإن فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} (هود: ١٤) فوجه إعجازه أن الله أحاط بالكلام كله علما، فأي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى كانت كما وردت في القرآن الكريم.

فلو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسنُ منها لم يوجد ونحن تَبَيَّنَ لنا البراعةُ في أكثره، ويخفى علينا وجهُها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة وميز الكلام (٢) ".

ولقد كثر الأخذ والرد في الوقوف على وجه إعجازي محدد للقرآن في ذاته ككلام، وما استقر لأحد مَقَاماً حتى أقام فيه آخرُ اعتراضا أحاله دون مُقَامِه، وما استرد هذا لنفسه قولا حتى محاه ذاك الآخر، فصار البحث عن وجه الإعجاز هو بذاته وَجْهَ الإعجاز، إذ الحيرة في الثبات على حقيقة أمر، برهان العجز عن الوصول إلى هذه الحقيقة، فانكشف لذي العلوم الكونية بيان القدرة في إحكام النواميس الكونية والقوانين التي تسير وفقها الأغراض الخَلْقِيَّة، فأخذ المسلمون، العلماءُ منهم بهذه المجالات - وجها لشبه الرؤية بمعنى آيات قرآنية استراحت له نفوسهم، واستهدت له قلوبهم، وراق رواؤه لظمأ اشتباه المعاني عليهم، فعرضوا ما اقتبسوه من نظرة العلماء في الكون على


(١) أي على وجه إعجاز معين.
(٢) المحرر الوجيز لابن عطية جـ١ صـ٥٢.

<<  <   >  >>