للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والخلط بين هاتين الحقيقتين، وإهمال الفصل بينهما في التطبيق والنظر، وفي دراسة "إعجاز القرآن" قد أفضى إلى تخليط شديد في الدراسة قديما وحديثا (١) .

والقرآن كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم منجما، وكان الذي نزل عليه أول أمر الوحي قليلا، فكان هذا القليل من التنزيل هو برهانه على نبوته، وهذا القليل دليلا على أن تاليه عليهم، وهو بشر مثلهم، نبي من عند الله مرسل.

فإذا صح هذا، وهو صحيح لا ريب فيه، ثبت أن الآيات القليلة من القرآن ثم الآيات الكثيرة، ثم القرآن كله، أي ذلك كان في تلاوته على سامعه من العرب، الدليل الذي يطالبه بأن يقطع بأن هذا الكلام مفارق لجنس كلام البشر وذلك من وجه واحد، هو وجه البيان والنظم (٢) وإذا كان الأمر على هذا النحو فإن سائر ما يورده المتقدمون والمتأخرون من وجوه الإعجاز لا ينسحب عليه في الحقيقة اعتباره وجها من وجوه الإعجاز، إذ التمحيص والبحث والإنعام في التوافق بين الإعجاز في معناه المجرد وبين الوجه المسوق لهذا الإعجاز يستجلى انفصام العلاقة بينهما على نحو ما.

وبعض هذه الوجوه تكمن في حيازته وتضمنه الكثيرُ من الآيات التي تحمل أسرارا يعجز عن سبر أغوارها عصر أو عصور متتالية، وفرق بين العجز عن إدارك محتواه وبين الإتيان بمثله ولو كان المأتى به مفترى.


(١) الظاهرة القرآنية مالك بن بني فصل في إعجاز القرآن كتقديم للكتاب بقلم الأستاذ محمود محمد شاكر صـ١٧،١٨.
(٢) الظاهرة القرآنية صـ٢١.

<<  <   >  >>