للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والمعجزة خرق العادة، ولم يخرق القرآن عادة عربية في غير نظمه وبيانه ولم يقل أحد إن كشفَ خفاءِ دقائقِ العادة خرقُُ لها، إذ بُدُو الموجود وبروزه إلى العيان لا يعنى خرقا لعادة.

والأنبياء لهم من خرق العادات ما يؤيد صدق دعواهم للنبوة والرسالة، وليس ما يبدو من آثار لقدرة الله في الكون معجزةً قرآنية، إذ لو كانت لامتد منها برهان عند اللحظات الأولى لنزول الوحي لتقوم في وجه الكافرين برهانا على أن القرآن من عند الله. أما وأنه قد تأخرت رؤية التطابق بين آي الكون وآي القرآن فلا يمكن القول بأن مثل هذا كان وجها باديا للعرب عند تحديهم.

والآيات البارزة في الكون دليل على أن للكون إلهاً، وذلك هو المقصود الأوحد والأول من الدعوة إلى النظر في السموات والأرض.

ويقول الزملكاني برجوع وجه الإعجاز إلى التأليف الخاص بالقرآن لا مطلق التأليف، بأن اعتدلت مفرداته تركيبا وزنة، وعلت مركباته معنى، بأن يوقع كل فن في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى (١) .

ويؤكد الخطابي (٢) تعذر معرفة وجه الإعجاز في القرآن، ولكنه يقول (٣) : "قلت في إعجاز القرآن وجها آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم، وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس".

وبهذا يتبين أنه قد يلوح للبعض ما أثر في نفسه واستقر من جملة عطاء القرآن ما يحسبه وجها للإعجاز، ولابد من التمييز بين الوجه والتوجيه في دراسة الإعجاز لدرك الصواب.


(١) البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن طـ١٣٩٤هـ، ١٩٨٤م صـ٥٤.
(٢) بيان إعجاز القرآن صـ٢١.
(٣) بيان إعجاز القرآن صـ٧٠.

<<  <   >  >>