للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَجَاءَتْ أُمُّ حَكِيمٍ عَلَى هَذَا مِنَ الأَمْرِ فَجَعَلَتْ تَقُولُ: يَا ابْنَ عَمِّ! جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَفْضَلِ النَّاسِ وَأَبَرِّ النَّاسِ وَخَيْرِ النَّاسِ لا تُهْلِكْ نَفْسَكَ! وَقَالَتْ: إِنِّي قَدِ اسْتَأْمَنْتُ لَكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنْتِ فَعَلْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَنَا كَلَّمْتُهُ فَأَمَّنَكَ فَرَجَعَ مَعَهَا.

قَالَ: وَجَعَلَ عِكْرِمَةُ يَطْلُبُ امْرَأَتِهِ لِيُجَامِعُهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ وَتَقُولُ: إِنَّكَ كَافِرٌ وَأَنَا مُسْلِمَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّ أَمْرًا مَنَعَكِ مِنِّي لأَمْرٌ كَبِيرٌ.

فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِكْرِمَةَ وَثَبَ إِلَيْهِ وَمَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَاءٌ فَرَحًا بِعْكِرِمَةَ. ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ عِكْرِمَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ مُتَنَقِّبَةٌ ثُمَّ قَالَ عِكْرِمَةُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي خَيْرَ شَيْءٍ أَقُولُهُ فَقَالَ: "تَقُولُ أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ".

فَقَالَ عِكْرِمَةُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَقُولُ أُشْهِدُ اللَّهَ وَأُشْهِدُ مَنْ حَضَرَ أَنِّي مُسْلِمٌ مُهَاجِرٌ".فَقَالَ عِكْرِمَةُ ذَلِكَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَسْأَلْنِي الْيَوْمَ شَيْئًا أُعْطِيهِ أَحَدًا إِلا أَعْطَيْتُكُهُ". فَقَالَ عِكْرِمَةُ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِي كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَيْتُكُهَا أَوْ مَسِيرٍ أَوْضَعْتُ فِيهِ أَوْ مَقَامٍ لَقِيتُكَ فِيهِ أَوْ كَلامٍ قُلْتُهُ فِي وَجْهِكَ أَوْ أَنْتَ غَائِبٌ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا وَكُلَّ مَسِيرٍ سَارَ فِيهِ إِلَي مَوْضِعًا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَسِيرِ إِطْفَاءَ نُورِكَ وَاغْفِرْ لَهُ كُلَّ مَا نَالَ مِنِّي مِنْ عِرْضٍ فِي وَجْهِي أَوْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهُ".

فَقَالَ عِكْرِمَةُ: رَضِيتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أَدَعُ نَفَقَةً كُنْتُ أُنْفِقُهَا فِي صَدٍّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلا أَنْفَقْتُ ضِعْفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا قتال كُنْتُ أُقَاتِلُ فِي صَدٍّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلا أَبْلَيْتُ ضِعْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أَجْتَهِدُ فِي الْقِتَالِ حَتَّى أُقْتَلَ.

قَالَ: فَمَا زَالَ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى قُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَرْمُوكِ تَرَجَّلَ عِكْرِمَةُ فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: لا تَفْعَلْ فَإِنَّ مُصَابَكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَدِيدٌ فَقَالَ: دَعْنِي يَا خَالِدُ! فَإِنَّهُ كَانَتْ لَكَ سَابِقَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَاتَلَ قِتَالا شَدِيدًا حَتَّى قُتِلَ فَوُجِدَ بِهِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ مِنْ بَيْنِ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةِ وَرَمْيَةٍ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ: اسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ

<<  <   >  >>