وذكر إبراهيم بن الجنيد في كتاب زهد الملوك بإسناده عن صالح بن عبد العزيز قال: أخبرني عمي عبد الحميد بن محمد:
أن المأمون كان يجد بابنه علي وجدا شديدا ويقدمه على جميع أولاده وكان من أحسن الناس وأجملهم مع أدب وفصاحة.
قال عبد الحميد: وكنت إذا دخلت الدار أميل إليه فأسلم عليه فأرى معه حياء وبشاشة ولا أرى فيه كبرا ولا عزا يضاحك خدمه ويلاطف جلساءه ثم أسخى من رأت عيناي وأحسنه خلقا وأطيبه نفسا وكنت إذا رأيته لا أكاد أصرف وجهي عنه من حسنه وجماله.
وكان سبب تزهده فيما أخبرني به شاكر مولاه قال: كان في يوم صائف شديد الحر له سموم في قبة الجيش فأتاه يمن الخادم فقال: يا سيدي! أمير المؤمنين يدعوك قد دعا بطعامه وهو ينتظرك قال: ويحك! الحر شديد ويؤذيني وأكره الخروج فارجع فأعلمه أنك وجدتني نائما فمضى فلم يكن بأسرع من أن رجع فقال: قد قال: ادخل عليه ونبهه - وكان لا يصبر عنه ساعة - فقام وهو كاره فحضر الطعام.
ثم قعد أمير المؤمنين للشراب مع ندمائه فقام علي وخرج من المجلس وكان لا يشرب شيئا من الأنبذة فانصرف إلى قصره وأمر أن يفرش له في بعض مستشرفه على دجلة وألقى فيه الماء والثلج والخلاف وقعد على سرير عليه غلالة ينظر إلى الناس وإلى دجلة ودعا بقيانه وندمائه.
فبينا هو كذلك إذ نظر إلى حمال قد أقبل عند الزوال عليه دراعة صوف بيضاء بالية بلا قميص تحتها ولا سراويل عليه وقد شد على رجليه خرقا من