حفصة! هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: تخلين عني وتعيرينني البلقاء فلله علي إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في قيدي وإن أصبت فما أكثر من أفلت فقالت: ما أنا وذاك؟ فرجع يوسف في قيوده ويقول:
كفى حزنا أن تردي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وغلقت ... مصاريع دوني قد تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة ... فقد تركوني واحداً لا أخاليا
ولله عهد لا أخيس بعهده ... لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا
فقالت سلمى: إني استخرت الله ورضيت بعهدك. فأطلقته.
فاقتاد الفرس فأخرجها من باب القصر فركبها ثم دب عليها حتى إذا كان بحيال الميمنة كبر ثم حمل على ميسرة القوم يلعب برمحه وسلاحه بين الصفين. ثم رجع من خلف المسلمين إلى الميسرة فكبر على ميمنة القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه.
ثم رجع خلف المسلمين إلى القلب فبدر أمام الناس فحمل على القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه وكان يقصف الناس ليلتئذ قصفا منكرا وتعجب الناس منه وهم لا يعرفونه ولم يروه من النهار.
فقال بعضهم: أوائل أصحاب هاشم أو هاشم نفسه وقال بعضهم: إن كان الخضر يشهد الحروب فنظن صاحب البلقاء الخضر وقال: بعضهم والله لولا أن الملائكة لا تباشر لقلت: ملك بيننا ولا يذكره الناس ولا يأبهون له لأنه بات في محبسه.
وجعل سعد يقول: والله لولا محبس أبي محجن لقلت إن هذا أبو محجن وهذه البلقاء.
فلما انتصف الليل تحاجز الناس وتراجع المسلمون وأقبل أبو محجن حتى دخل من حيث خرج فوضع عن نفسه ودابته وأعاد رجليه في قيديه.
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ أبو محجن الثقفي لايزال يُجْلَدُ فِي الْخَمْرِ فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِمْ سَجَنُوهُ وَأَوْثَقُوهُ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْقَادِسِيَّةِ فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَصَابُوا فِي الْمُسْلِمِينَ.