إن ملكا من ملوك أهل البصرة تنسك ثم مال إلى الدنيا والسلطان فبنى دارا وشيدها وأمر بها ففرشت له ونجدت واتخذ مائدة وصنع طعاما ودعا الناس فجعلوا يدخلون عليه ويأكلون ويشربون وينظرون إلى بنيانه ويعجبون من ذلك ويدعون له ويتفرقون.
قال: فمكث بذلك أياما حتى فرغ من أمر الناس ثم جلس ونفر من خاصة إخوانه فقال: قد ترون سروري بداري هذه وقد حدثت نفسي أن أتخذ لكل واحد من ولدي مثلها فأقيموا عندي أياما أستمتع بحديثكم وأشاوركم فيما أريد من هذا البناء لولدي.
فأقاموا عنده أياما يلهون ويلعبون ويشاورهم كيف يبني لولده وكيف يريد أن يصنع فبينا هم ذات ليلة في لهوهم ذلك إذ سمعوا قائلا من أقاصي الدار:
يا أيها الباني والناسي منيته ... لا تأملن فإن الموت مكتوب
على الخلائق إن سروا وإن فرحوا ... فالموت حتف لذي الآمال منصوب
قال: ففزع لذلك وفزع أصحابه فزعا شديدا وراعهم ما سمعوا من ذلك.
فقال: لأصحابه: هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم قال: فهل تجدون ما أجد؟ قالوا: وما تجد؟ قال: أجد والله مسكة على فؤادي وما أراها إلا علة الموت قالوا: كلا بل البقاء والعافية.
قال: فبكى ثم أقبل عليهم فقال: أنتم أخلائي وإخواني فماذا لي عندكم؟ قالوا: مرنا بما أحببت من أمرك قال: فأمر بالشراب فأهريق ثم أمر بالملاهي فأخرجت ثم قال: اللهم! إني أشهدك ومن حضرني من عبادك أني تائب إليك من جميع ذنوبي نادم على ما فرطت في أيام مهلتي وإياك أسأل إن أقلتني أن تتم نعمتك علي بالإنابة إلى طاعتك وإن أنت قبضتني إليك أن تغفر لي ذنوبي تفضلا منك علي.
واشتد به الألم فلم يزل يقول: الموت والله! الموت والله! حتى خرجت نفسه فكان الفقهاء يرون أنه مات على توبة.