ورائي: ليس لذا خلقت ولا بذا أمرت! فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحدا فقلت: لعن الله إبليس! ثم حركت فرسي فأسمع نداء أجهر من ذلك يا إبراهيم ليس لذا خلقت ولا بذا أمرت! فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلا أرى أحدا فقلت: لعن الله إبليس! ثم حركت فرسي فأسمع نداء من قربوس سرجي: يا إبراهيم! ما لذا خلقت ولا بذا أمرت! فوقفت.
فقلت: أنبهت أنبهت جاءني نذير من رب العالمين والله لا عصيت الله بعد يومي هذا ما عصمني ربي. فرجعت إلى أهلي ثم جئت إلى أحد رعاة أبي فأخذت منه جبة وكساء وألقيت ثيابي إليه ثم أقبلت إلى العراق أرض ترفعني وأرض تضعني حتى وصلت إلى العراق فعملت بها أياما فلم يصف لي منها - يعني الحلال - فسألت بعض المشايخ فقال لي: إذا أردت الحلال فعليك ببلاد الشام.
فصرت إلى بلاد الشام فسرت إلى مدينة يقال لها: المنصورة وهي المصيصة فعملت بها أياما فلم يصف لي شيء من الحلال فسألت بعض المشايخ فقالوا لي: إن أردت الحلال الصافي فعليك بطرسوس فإن فيها المباحات والعمل الكثير.
فتوجهت إلى طرسوس فعملت بها أياما أنظر البساتين وأحصد الحصاد فبينا أنا قاعد على باب البحر جاءني رجل فاكتراني أنظر له بستانه فكنت في البستان أياما كثيرة فإذا أنا بخادم قد أقبل ومعه أصحابه فقعد في مجلسه ثم صاح: يا ناطور! فقلت: هو ذا أنا فقال: اذهب فأتنا بأكبر رمان تقدر عليه وأطيبه فذهبت فأتيته بأكبر رمان فأخذ الخادم رمانة فكسرها فوجدها حامضة فقال: يا ناطور أنت في بستاننا منذ كذا وكذا تأكل فاكهتنا وتأكل رماننا ولا تعرف الحلو من الحامض؟.
قال إبراهيم: قلت: والله ما أكلت من فاكهتك شيئا ولا أعرف الحلو من الحامض فأشار الخادم إلى أصحابه فقال: أما تسمعون كلام هذا؟ أتراك لو أنك إبراهيم بن أدهم ما زاد على هذا!؟ فانصرف فلما كان من الغد ذكر صفتي في المسجد فعرفني بعض الناس فجاء الخادم ومعه عنق من الناس فلما رأيته قد أقبل مع الناس اختفيت خلف الشجر والناس داخلون فاختلطت معهم وهم داخلون وأنا خارج هارب.
فهذا كان أوائل أمري وخروجي من طرطوس إلى بلاد الرمال.