فمضى إلى غيرهم فقال لهم مثل هذه المقالة. فقالوا: له: نعم وكرامة نواسيك بما عندنا.
فأقام عندهم يختلف كل ليلة إلى أهله بما أصاب من الصيد حتى أنكر الناس قضاء سليمان وفعاله. فلما رأى الخبيث أن الناس قد فطنوا له انطلق بالخاتم فألقاه في البحر.
قال الحسن: أمسك الخاتم أربعين يوما. وروي أنه قعد على كرسي سليمان فاجتمع له الجن والإنس والشياطين. وملك كل شيء كان يملكه سليمان - عليه السلام - إلا أنه لم يسلط على نسائه.
وخرج سليمان يسأل الناس ويتضيفهم ويقوم على باب الرجل والمرأة ويقول: أطعموني فإني سليمان بن داود. فيطردونه ويقولون له: ما يكفيك ما أنت فيه حتى تكذب على سليمان وهذا سليمان على ملكه حتى أصابه الجهد واشتد عليه البلاء.
فلما تم عليه أربعون يوما قال: آصف: يا معشر بني إسرائيل! هل رأيتم من خلاف حكم ابن داود ما رأيت؟ قالوا: نعم فعمد عند ذلك الخبيث فألقى الخاتم في البحر.
فاستقبله جري فابتلع الخاتم فصار في جوفه مثل الحريق من نور الخاتم. فاستقبل جرية الماء فوقع في شباك الصيادين الذين كان سليمان معهم فلما أمسوا قسموا السمك فأسقطوا الجري فجعلوه لسليمان فذهب به إلى أهله فأمرهم أن يصنعوه فلما شقوا بطنه أضاء البيت نورا من خاتمه فدعت المرأة سليمان فأرته الخاتم فتختم به وخر لله ساجدا وقال: إلهي! لك الحمد على قديم بلائك وحسن صنيعك إلى آل داود. إلهي! أنت ابتدأتهم بالنعم وأورثتهم الكتاب والحكم والنبوة فلك الحمد إلهي! تجود بالكبير وتلطف بالصغير فلك الحمد نعماؤك ظهرت فلا تخفى وبطنت فلا تحصى فلك الحمد. إلهي! لم تسلمني بذنوبي فلك الحمد تغفر الذنوب وتستجيب الدعاء فلك الحمد إلهي! لم تسلمني بجريرتي فلك الحمد ولم تخذلني بخطيئتي فلك الحمد إلهي فأتم نعمتك علي واغفر لي ما سلف وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ}[ص: ٣٤] .