فرقا واشتاقت النفوس إلى الجنة فوقعت الموعظة في قلب الغلام فتغير لونه ثم نهض إلى أمه فبكى عندها طويلا ثم قال:
زممت للتوبة أجمالي ... ورحت قد طاوعت عذالي
وأبت والتوبة قد فتحت ... من كل عضو لي أقفالي
لما حدا الحادي بقلبي إلى ... طاعة ربي فك أغلالي
أجبته لبيك من موقظ ... نبه بالتذكار أغفالي
يا أم هل يقبلني سيدي ... على الذي قد كان من حالي؟
واسوءتا إن ردني خائبا ... ربي ولم يرض بإقبالي!
ثم شمر في العبادة وجد وكان لا يفطر إلا بعد التراويح ولا ينام إلا بعد طلوع الشمس.
فقربت إليه أمه ليلة إفطاره فامتنع وقال: أجد ألم الحمى فأظن أن الأجل قد أزف ثم فزع إلى محرابه ولسانه لا يفتر من الذكر فبقي أربعة أيام على تلك الحال.
ثم استقبل القبلة يوما وقال: إلهي عصيتك قويا وأطعتك ضعيفا وأسخطتك جلدا وخدمتك نحيفا فليت شعري هل قبلتني؟ ثم سقط مغشيا عليه فانشج وجهه.
فقامت إليه أمه فقالت: يا ثمرة فؤادي وقرة عيني رد جوابي.
فأفاق فقال: يا أماه! هذا اليوم الذي كنت تحذريني وهذا الوقت الذي كنت تخوفيني فيا أسفي على الأيام الخوالي يا أماه! إني خائف على نفسي أن يطول في النار حبسي بالله عليك يا أماه قومى فضعي رجلك على خدي حتى أذوق طعم الذل لعله يرحمني ففعلت وهو يقول: هذا جزاء من أساء ثم مات رحمه الله.
قالت أمه: فرأيته في المنام ليلة الجمعة وكأنه القمر فقلت: يا ولدي! ما فعل الله بك؟ فقال: خيرا رفع درجتي.
قلت: فما كنت تقول قبل موتك؟ قال: هتف بي هاتف: أجب الرحمن! فأجبت.
قلت: فما فعل أبو عامر؟ فقال: هيهات! أين نحن من أبي عامر؟