جاءت ومعها ولده وغلمانه فدخلت وألقت ولده في حجره وعليه حلي وحلل وقالت له: يا سيدي! أرملتني وأنت حي وأيتمت ولدك وأنت حي.
قال سري: فنظر إلي وقال: يا سري! ما هذا وفاء ثم أقبل عليها فقال: والله إنك لثمرة فؤادي وحبيبة قلبي وإن هذا ولدي لأعز الخلق علي غير أن هذا سري أخبرني أن من أراد الله قطع كل ما سواه.
ثم نزع ما على الصبي فقال: ضعي هذا في الأكباد الجائعة والأجساد العارية وخرق قطعة من كسائه فلف فيها الصبي فقالت المرأة: لا أرى ولدي في هذه الحال! وانتزعته منه فحين رآها قد اشتغلت به نهض وقال: ضيعتم علي ليلتي بيني وبينكم الله وولى خارجا وضجت الدار بالبكاء فقالت: إن عدت سمعت له خبرا فأعلمني فقلت: نعم.
فلما كان بعد أيام أتت عجوز فقالت: يا سري! بالشونيزية غلام يسألك الحضور فمضيت فإذا به مطروح في تربة تحت رأسه لبنة فسلمت عليه ففتح عينيه وقال: يا سري! ترى تغفر تلك الجنايات؟ فقلت: نعم قال: يغفر لمثلي؟ قلت نعم قال: أنا غريق! قلت: هو منجي الغرقى فقال: علي مظالم فقلت في الخبر أنه يؤتى بالتائب يوم القيامة معه خصومه فيقال لهم: خلوا عنه فإن الله تعالى يعوضكم.
فقال: يا سري! معي دراهم من لقط النوى إذا أنا مت فاشتر لي ما أحتاج إليه وكفني ولا تعلم أهلي لئلا يغيروا كفني بحرام.
قال سري: فجلست عنده قليلا ففتح عينيه فقال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}[الصافات: ٦١] ثم مات.
فأخذت الدراهم وجئت فاشتريت ما يحتاج إليه وسرت نحوه فإذا الناس يهرعون فقلت: ما الخبر؟ فقيل: مات ولي من أولياء الله نريد أن نصلي عليه فجئت فغسلته ودفناه.
فلما كان بعد مدة نفذ أهله يستعلمون خبره فأخبرتهم بموته فأقبلت امرأته باكية فأخبرتها بحاله فسألتني أن أريها قبره فقلت: أخاف أن تغيروا أكفانه قالت: لا والله! فأريتها القبر فبكت وأمرت بإحضار شاهدين فأحضرتهما وأعتقت جواريها وأوقفت عقارها وتصدقت بمالها ولزمت قبره حتى ماتت.