للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَأَتَى جِبَالا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَوَلَجَهَا.

فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَإِنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - نَزَلَ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: إِنَّ رَجُلا مِنْ أُمَّتِكَ بَيْنَ هَذِهِ الْجِبَالِ يَتَعَوَّذُ بِي فَقَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عُمَرُ وَيَا سَلْمَانُ! انْطَلِقَا فَأْتِيَانِي بِثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ".

فَخَرَجَا مِنْ أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ فَلَقِيَا رَاعِيًا مِنْ رُعَاةِ الْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: ذُفَافَةُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ لَكَ عِلْمٌ بِشَابٍّ بَيْنَ هَذِهِ الْجِبَالِ يُقَالُ لَهُ: ثَعْلَبَةُ؟ قَالَ: لَعَلَّكَ تُرِيدُ الْهَارِبَ مِنْ جَهَنَّمَ فَقَالَ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ بِأَنَّهُ هَارِبٌ مِنْ جَهَنَّمَ؟ قَالَ: لأَنَّهُ إِذَا كَانَ جَوْفُ اللَّيْلِ خَرَجَ عَلَيْنَا مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْجِبَالِ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ وَهُوَ يُنَادِي: يَا لَيْتَكَ قَبَضْتَ رُوحِي فِي الأَرْوَاحِ وَجَسَدِي فِي الأَجْسَادِ وَلَمْ تُجَرِّدْنِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ! فَقَالَ عُمَرُ: إِيَّاهُ نُرِيدُ فَانْطَلَقَ بِهِمَا.

فَلَمَّا كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنَ تِلْكَ الْجِبَالِ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ وَهُوَ يُنَادِي: يَا لَيْتَكَ قَبَضْتَ رُوحِي فِي الأَرْوَاحِ وَجَسَدِي فِي الأَجْسَادِ وَلَمْ تُجَرِّدْنِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ.

قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهِ عُمَرُ فَاحْتَضَنَهُ فَقَالَ: يَا عُمَرُ! هَلْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنْبِي؟ قَالَ: لا عِلْمَ لِي إِلا أَنَّهُ ذَكَرَكَ بِالأَمْسِ فَأَرْسَلَنِي وَسَلْمَانَ فِي طَلَبِكَ.

قَالَ: يَا عُمَرُ! لا تُدْخِلْنِي عَلَيْهِ إِلا وَهُوَ فِي الصَّلاةِ فَابْتَدَرَ عُمَرُ وَسَلْمَانُ الصَّفَّ فَلَمَّا سَمِعَ ثَعْلَبَةُ قِرَاءَةَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَّ مُغْشِيًا عَلَيْهِ.

فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا عُمَرُ! يَا سَلْمَانُ! مَا فَعَلَ ثَعْلَبَةُ؟ " قَالا: هَا هوذا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَرَّكَهُ فَانْتَبَهَ.

فَقَالَ لَهُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "مَا غَيَّبَكَ عَنِّي؟ " قَالَ: ذَنْبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى آيَةٍ تَمْحُو الذُّنُوبَ وَالْخَطَايَا؟ " قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "قُلْ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} . [البقرة: ٢٠١] ".

قَالَ: ذَنْبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْظَمُ قَالَ: "بَلْ كَلامُ اللَّهِ أَعْظَمُ". ثُمَّ أَمَرَهُ بِالانْصِرَافِ إِلَى مَنْزِلِهِ.

فَمَرِضَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ إِنَّ سَلْمَانَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ لَكَ فِي ثَعْلَبَةَ فَإِنَّهُ لِمَا بِهِ قَدْ هَلَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُومُوا بِنَا إِلَيْهِ".

فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ رَأْسَهُ فوضعه عن حجره فأزال رأسه عن حجر

<<  <   >  >>