للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم! لَمَّا كانت نفس زيد بن حارثة الكلبي - رضي الله تعالى عنه - حِبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرةً توَّاقةً للمعالي، دفَعَ جسده الطاهر الزكي الثَّمَن غالياً في أحضان رماح العدو وحرابهم١، وما كاد يسقط القائد البطل شهيداً في سبيل الله تعالى، حتَّى تلقَّف منه اللواء، ومِن ثَمَّ خلفه في القيادة - حسب أمر القائد الأعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - بطل آخر شاب من آل بيت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم موئل البطولات، وأركان الشجاعة، ولا غَرْوَ في ذلك، فهو جعفر ابن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه، ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطل الأبطال، وقائد الشجعان.

وتقدَّم البطل الشاب بفرسه يصول ويجول براية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا ما ألحمه القتال، ترجَّل عن فرسه، كما يذكر أَحَد شهود العيان:

[٥١] "والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرسٍ له شقراء، فعقرها، ثُمَّ قاتل القوم"٢، راجلاً، وهو يرتجز:


١ يذكر ابن دريد (الاشتقاق ٥٥١) أنَّ الذي باشر قتل زيد رضي الله تعالى عنه، هو مالك بن رافلة قائد العرب المتنصِّرة. ولم أر أحداً قال به غيره.
والله تعالى أعلم.
٢ أخرجه أبو داود (السنن ٣/٦٢-٦٣) ، وذكره ابن هشام (السيرة ٤/٣٧٨) ، من حديث ابن إسحاق، قال: حدَّثَني ابن عبَّاد، عن أبيه عبَّاد بن عبد الله بن الزبير، حدَّثني أبي الذي أرضعني، وهو أحد بني مرة بن عوف وكان في تلك الغزوة.
وقال أبو داود: "هذا الحديث ليس بالقوي".
وقال الزرقاني (شرح المواهب ٢/٢٧٢) مُعَقِّباً: "وكأنه يريد ليس بصحيح، وإلاَّ فهو حسن، كما جزم به الحافظ، وتبعه المصنِّف".
وقال مغلطاي (الزهر الباسم، الجزء الثاني والعشرين ص ٢٤) : "على أنَّ لقائلٍ أن يقول: ليس الحديث بضعيف، بل هو صحيح على رسم مسلم في ابن إسحاق، ومحمَّد بن سلمة، وأمَّا يحي بن عباد فوثَّقه غير واحد، وأبوه حديثه في الصحيحين، وجهالة اسم الصحابي لا تضر".
وقال أحمد شاكر (حاشية سنن أبي داود ٣/٦٣) : "صرَّح ابن إسحاق بسماعه من يحي بن عباد، والإسناد صحيح".
قلت: الإسناد حسن كما جزم بذلك الحافظ (فتح٧/٥١١) ، والقسطلاني (المواهب ١/٥٥١) ، والألباني (صحيح سنن أبي داود ٢/٤٨٩) وذلك لأنَّ ابن إسحاق صدوق. والله تعالى أعلم.

<<  <   >  >>