يتبيّن من إسناد النّبي صلى الله عليه وسلم قيادة هذه السرية لسيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه، مدى ما كان يتمتع به عليه السلام من حنكة عسكرية فذّة، وذكاءٍ منقطع النظير، فخالد بن الوليد رضي الله عنه هو القائد المظَفَّر، وبطل مؤتة المُتَوَّج، ولا بُدّ أنّه أصبح معروفاً معرفةً تامّةً لدى القبائل العربية المنتصرة التي واجهته في مؤتة، وعرفت مدى ما كان يتمتّع به مِن ذكاءٍِ قياديّ، وحنكةٍ عسكريةٍ، فأراد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستثمر هذا النجاح لخالد ضدَّهم، ويرميهم به ليتحصَّل على أفضل النتائج المرجوة بأقل قدرٍ ممكنٍ من الخسائر، وتلك استراتيجية الرسول القائد صلى الله عليه وسلم دائماً مع أعدائه.
قال الأكيدر لخالد:"والله ما رأيتها قط جاءتنا إلاّ البارحة - يريد البقر - ولقد كنت أضمّر لها إذا أردت أخذها، فأركب لها اليوم واليومين".
ويحقُّ للأكيدر وأهله أن يتعجّبوا من فِعل البَقَر تلك الليلة، لأنّه أمر خلاف العادة، وهكذا المعجزات النّبويّة دائماً تكون خارقة للعادات، ولقد كانت تلك قدرة إلهية، ومعجزة نبويّة، هيأها الله - تبارك وتعالى - لنبيّه صلى الله عليه وسلم تأييداً له وتمكيناً على أعدائه، فما كانت البقر لتأتي لحتفها بنفسها لولا أنّ خالقها أمرها بذلك، وساقها بلا سائق إلى ذلك المصير، فالبقر وإن كانت حيواناً لا يعقل، ولكنها بفطرتها التي فطرها الله عليها تُدرك مكامن