الخطر ومدارك الهلكة، فتبتعد عنها كثيراً، وهو الأمر الذي تعوَّده الأكيدر عنها حيث كان يضمّر لها الخيل، ويستعد لها ثُمّ يركب في طبلها اليوم واليومين حتّى يجدها في مكامنها البعيدة عن الخطر، ولكن قدر الله عز وجل، وقدرته العلية، وأمره الذي لا يُردّ، سخّر ذلك البقر لنبيّه صلى الله عليه وسلم وجعله في خدمة أهدافه وطوّعه جندياً مجنّداً من جنوده، يستدرج به أعداءه بعيداً عن دار عِزه وسلطانه ليقع فريسة سهلة المنال في يد الجندي الآخر خالد بن الوليد رضي الله عنه، الذي خرج في طاعة قائده وإمامه صلى الله عليه وسلم، ومنطلقاً دونما جدال ولا مناقشة، مِمَّا يدل على ما كان يتمتع به سلفنا الصالح - رضي الله تعالى عنهم - مِنَ الإيمان المُطلق بنبيّهم صلى الله عليه وسلم، وتصديقه فيما يقول، وطاعتهم لولي الأمر، وتأدّبهم الجم مع مقامه الشريف عليه السلام، ومعرفتهم حقّ الإمام من الطاعة فيما يأمر بمعروف.
قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه حينما رآهم يتعجّبون من الجُبَّة التي أهداها له الأكيدر:"أتعجبون من هذا؟ فوالذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنّة أحسن من هذا". هذه الحادثة على بساطتها توضح لنا أمرين على درجةٍ كبيرةٍ من الأهمية:
الأمر الأوّل: معرفة مدى ما كان عليه الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - من البساطة، والتواضع، والزهد، وترك بهرج الدنيا، ربّاهم على ذلك المربِّي الأوّل، رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي مات وهو لم يشبع من خُبز الشعير بأبي هو وأُمي، وهو الذي لو أراد لَحِيزَت له الدُّنيا بأسرها.