الأمر الثّاني: معرفة مدى تفاهة متاع الدنيا وملذاتها، مقارنةً بنعيم الآخرة، وما أعدّه الله - تبارك وتعالى - للمتّقين في جنّات النعيم، فحُلَّة الديباج المنسوجة بالذهب لا تساوي شيئاً إذا قيست بمناديل الجنّة التي هي ليست من اللباس، بل دونه، فما بالك بلباسها؟!.
وهكذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يُرَبِّي أصحابه مُوَضحاً لهم أنّ الدُّنيا بملذّاتها ونعيمها، وبما فيها من ذهبٍ وفضّةٍ وحريرٍ وديباجٍ، لا تساوي شيئاً يُذكر بِمَا أعدّه الله تبارك وتعالى لعباده في جنّاتٍ فيها ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خَطَر على قلب بشر.
وحينما يعرف الإنسان المؤمن التقيّ هذه الحقيقة الناصعة، فإنّه يكون أدعى لترك ما في الدنيا من ملذّات وشهوات، وأقرب للزهد فيها، والتّطلّع لِما ادّخره الله عز وجل لعباده المتّقين بالعمل الصالح، والجدّ في الطاعة، والتّقى والعفاف {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُون} . [سورة المطفِّفين، الآية:٢٦] .
وقد آتت هذه التربية العظيمة أكلها وأينعت ثمارها مع سلفنا الصالح - رضي الله تعالى عنهم - وهكذا رأيناهم حينما فتحت لهم الدّنيا، وانساقت إليهم بحذافيرها، لم يغرّهم بهرجها، ولم ينخدعوا بنعيمها، ولم ينساقوا وراءها، بل كانوا أزهد الناس فيها، فملكوها ولم تملكهم، وساقوها بزمام التقى، والعفاف، وغنى النفس، والورع، والزهد، ولم تسقهم بزمام الشهوات، والملذّات، والنعيم الزائل، والمعاصي الموبقة، روَّضوها لطاعة الله وجعلوها دار عبور وممرّ، وطريقاً إلى الجنّة، ولم تروّضهم لشهواتها وملذاتها، فتجعلها طريقاً لهم إلى النار، ولم يتّخذوها دار بقاء وقرار.