قال ابن الهمام في فتح القدير شرح الهداية:"يُستحب لجيران أهل الميّت والأقرباء الأباعد تهيئة طعام لهم يشبعهم ليلتهم ويومهم، ويكره اتّخاذ الضيافة من أهل الميّت، لأنّه شرع في السرور لا في الشرور، وهي بدعة مستقبحة". انتهى.
ويؤيّده حديث جرير بن عبد الله البجلي قال:"كُنّا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعه الطعام من النياحة". أخرجه ابن ماجه، وبوّب له باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميّت وصنعة الطعام".
وهذا الحديث سنده صحيح ورجاله على شرط مسلم، قاله السندي".وقال - أيضاً -:قوله:"كُنّا نرى" هذا بمنْزلة رواية إجماع الصحابة أو تقرير من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى الثاني فحكمه الرفع، وعلى التقديرين فهو حُجّة".
وبالجملة فهذا عكس الوارد، إذ الوارد أن يصنع الناس الطعام لأهل الميّت، فاجتماع الناس في بيتهم حتّى يتكلّفون لأجلهم الطعام قلب لذلك، وقد ذكر كثيرٌُ من الفقهاء أنّ الضيافة لأهل الميّت قلب للمعقول١
١ قلت: "انقلب هذا المعقول اليوم انقلاباً جذرياً، فأصبح الناس يقومون بإجراءات في المآتم أشبه ما تكون بالأفراح السعيدة، فمنْزل الميّت صار يُزَيَّن بمصابيح الكهرباء، وتُفْرَش الأرض بأنواع الزّل والمفارش، وتوضع الكراسي والصوانات خارج المنْزل لاستقبال وفود المُعَزِّين، وتًصْنَع الولائم ليل نهار لمدّة ثلاثة أيام، ويكلّف أهل الميّت ضيافة الوافدين والوافدات للعزاء، والمقيمين من الأقارب والأصدقاء، والجيران، وقد وصل بهم الأمر إلى التفاخر في مراسم المآتم، والاحتفال بها في صالات الأفراح". فالله المستعان.