كما ذكر بعضهم أنّه بناءً على نتيجة غزوة مؤتة، كان لزاماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستردّ هيبة المسلمين، ويُعِيد إليهم كرامتهم في تلك البلاد١.
وسواء قَصَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم تأديب الأعراب، وصدّ عدوانهم على أطراف الدولة الإسلامية عندما بلغته أخبار حشودهم وتحرُّكاتهم، فتحرّك بسرعة لضربهم قبل استكمال استعداداتهم القتالية، كما هي عادته صلى الله عليه وسلم دائماً مع أعدائه، أم أراد الثأر من القبائل العربية المنتصرة الحليفة للرومان، والتي شاركت إلى جانبهم في مؤتة، أو غير ذلك من الأسباب التي ذُكِرَت قديماً وحديثاً، فإنّ السبب الحقيقي وراء ذلك كُلِّه هو إعلاء كلمة الله عز وجل في تلك البقاع، ونشر الدعوة الإسلامية، بعد إزاحة القوى السياسية والعسكرية التي كانت تقف حجر عثرة في وجه نشر الإسلام في المنطقة.
والقبائل العربية المنتصرة والحليفة للدولة البيزنطية كانت من تلك القوى، وكانت تقوم بتحرّكات مشبوهة ونشاطات معادية للمسلمين في المنطقة الشمالية من الجزيرة على أطراف الدولة الإسلامية، وبخاصّة بعد مؤتة، فكان لا بُدَّ من ردعها وإخضاعها لسيطرة المسلمين، لأنّ المسلمين - أيضاً - كانوا في وضع استعدادي متناسق ومتدرِّج لمنازلة الدولة البيزنطية، إحدى القوَّتين العظميين في ذلك الوقت، لوضع حدٍّ لسلطانهم، والقضاء على قوّتهم العسكرية والسياسية المناهضة لنشر الإسلام في المنطقة. والله تعالى أعلم.
١ انظر: الشريف: مكّة والمدينة ٥٣٧، وهيكل: حياة محمّد صلى الله عليه وسلم ٤١٥.