وشجاعة حسن البنا ليست شجاعة جسدية، مما يحتاج إلى سواعد مفتولة وعضلات قوية، بل هي شجاعة من طراز آخر، شجاعة مقوماتها: الإقدام، والقدرة على إعلان الحق وتعرية الباطل، ورفض المساومة على حساب المبدأ، ورفض التراجع عن معنى من المعاني آمن به، واطمأن قلبه إليه، وشجاعة حسن البنا مكانها الطبيعي هو القلب، والقلب هو محل الإيمان بالله، والثقة فيه، والاعتزاز به، والاطمئنان إليه.
وحكمة حسن البنا كذلك من طراز آخر، ليست كحكمة الفلاسفة، لأن حكمة الفلاسفة مصدرها العقل وحده، فإذا نطق بها الفيلسوف انفصلت عنه، وتركها لتلامذته، يتأثرون بها، وينشرونها، وقد تعيش حكمة الفيلسوف آمادًا طوالاً، يحفظها البعض عن ظهر قلب، أما حكمة حسن البنا، فليس مصدرها العقل وحده، بل أيضًا الإيمان والوجدان، ولا يمكن أن تنفصل عنه، لأنها ليست - فحسب - جزءًا من إيمانه ووجدانه، بل جزءًا من كيانه كله، إنها حكمة ليست للتأمل، وليست مجرد كلمات تسحر الألباب، وتجتذب الانتباه، وإنما هي سلوك يطابق المنهج، وخطة عمل لتطبيق المبدأ، وفي إيجاز كانت حكمة حسن البنا حكمة تدب فيها الحركة والحياة.