للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمقال الأدبي قد يكون خياليا أو مثاليا أو واقعيا تبعا لميول الكاتب وأغراضه، ومزاجه الشخصي، أما المقال الصحفي فإنه ينبغي أن يكون عقليا واقعيا، يعتمد على المنطق والأسانيد الواقعية الحسية، دون تحليق في عالم الخيال أو المثل. فالأديب حر في اختيار الموضوع الذي يشاء، أما الصحفي فهو مقيد باختيار الموضوعات العامة التي تهم أكبر عدد ممكن من القراء، تدور حول مسائل ومشكلات تهم الدولة والمجتمع.

وجمال المقال الأدبي يتحقق في ذاته لأنه لا يعتمد كثيرا على العناصر الخارجية كالظروف والمناسبات، ذلك أن الأديب يلتمس الجمال الحقيقي في العبارة عن طريق البراعة الفنية في الصياغة والأداء، أما الصحفي فعلى العكس من ذلك ترتبط كتابته دائما بالجو الاجتماعي، والظروف السياسية المحيطة به، حتى إننا لا نكاد نفهم هذه المقالات الصحفية في العصور الماضية دون الإحاطة التامة بالبيئة الاجتماعية، وخصائص العصر الذي كتبت فيه. ومن المعروف كذلك أن الآداب الخالدة، والمؤلفات الكبرى لا تتطلب في دراستها مثل ذلك العناء الذي تتطلبه القطع الأدبية التي يكتبها أدباء الطبقة الثانية؛ لأن الآداب العظمى الرفيعة تتصل بعواطف الإنسان الثابتة، وترتبط بعلاقات بشرية خالدة، أما الصحافة فإنها تدور حول أمور اجتماعية ومناسبات معينة، لذلك كانت كتابات الطبقة الثانية في الأدب والصحافة أيضا ذخيرة هامة للمؤرخ وعالم الاجتماع، تتفوق في قيمتها الاجتماعية ودلالتها التاريخية على الآداب الإنسانية الرفيعة التي يهتم بها الأدباء والنقاد وعلماء الجمال.

فبينما نجد أن الأديب يكتب ما يشاء مهما كان الموضوع دقيقا أو خياليا أو غريبا، ويحاول أحيانا أن يكتشف ما خفي عن أنظار غيره من الأدباء مستعينا في ذلك بخلق الشخصيات الخيالية والمواقف الوهمية، إذا بالصحفي مقيد بالحاضر لا يستطيع الفرار منه، وما فيه من أحداث فهو لا يستطيع أن يرخي العنان للخيال كما يفعل الأديب، ولا يستطيع أن يهمل الشخصيات الواقعية من أجل شخصيات خيالية، ولا يستطيع أن يسبح في أجواء الماضي أو يطير في خيال المستقبل كما

<<  <   >  >>