ويعتبر المقال الصحفي الافتتاحي أهم فنون المقال الصحفي، وهو فن خاص يعتمد على الشرح والتفسير والإيضاح، معتمدا على الحجج والبراهين، والإحصاءات والبيانات، للوصول في نهاية الأمر إلى إقناع القارئ وكسب تأييده. وكاتب المقال الافتتاحي ينبغي أن يكون ملما بالموضوع الذي يكتب فيه، وأن يقرأ عنه في الكتب والمجلات المصرية والأجنبية.
وليس المقال الافتتاحي تعبيرا عن الرأي الشخصي لصاحبه، وإنما هو في حقيقة الأمر تعبير عن سياسة الصحيفة. ولذلك فكثيرا ما يكون المقال الافتتاحي غفلا من التوقيع؛ لأنه منسوب إلى الصحيفة كهيئة إعلامية أكثر منه إلى الشخص نفسه. وفي الصحافة الحديثة، يختار مجلس التحرير موضوع المقال الافتتاحي، ويعهد بكتابته إلى المتخصص في ذلك الموضوع. ولم يعد المقال الافتتاحي مجرد تعبير عن الرأي بصورة قاطعة حاسمة، بل لقد أصبح هذا المقال نوعا من التحليل الدقيق المتوازن، الذي يسوق فيه الكاتب الحجج والبراهين لإثباته، في هدوء وروية. والحقيقة أن كاتب المقال في الماضي كان أشبه بالفارس الذي يخوض غمار معركة بسيفه وحصانه فهو يهاجم ويناور ويدافع، أما كاتب اليوم الذي يعبر عن مؤسسة كاملة، فإنه لا يستطيع أن يعبر تعبيرا ذاتيا أو انفعاليا، ولكنه ينقل المعاني في هدوء وروية وتؤدة.
غير أن هذا التعبير "اللاشخصي" ليس معناه الجفاف في التعبير أو الجفاء في موقف الكاتب من القارئ؛ إذ إن خاصية التبسيط في الحديث والإيناس في السرد، لا تزال أهم مميزات فن المقال الصحفي. فالكاتب يسعى لإثارة الانتباه، واجتذاب القراء، والتحدث إليهم حديث الند للند دون استعلاء. إنهما صديقان يتحدثان حديثا يهم كل واحد منهما بقدر ما يهم الآخر. والمقال الافتتاحي قائم على روح المشاركة، وهي روح الديمقراطية الحقة التي تفترض المساواة بين الجميع. ومن هنا كان هذا الفن متسما بالهدوء والابتعاد عن الاستعلاء أو الخطابة.
ذلك أن المقال الافتتاحي يهدف إلى الإقناع لا مجرد الاستمالة العاطفية. فالشواهد والأدلة والبراهين، سواء بالنصوص أو الإحصاءات أو المقارنات ضرورة لازمة للتعليق على الأخبار والمجريات. وكثيرا ما يكون المقال الافتتاحي بمثابة تعليق على الأخبار والأحداث الجارية، مع الاستشهاد -بطبيعة الحال- بأمثلة تاريخية وتقارير إخبارية، ولذلك فإن كاتب المقال الافتتاحي يعتمد اعتمادا كبيرا على الأرشيف الصحفي. وعلى مذكراته الخاصة، بالإضافة إلى ذاكرته القوية.