الفن الصحفي فن حضاري بالضرورة. إذا كان الشعر، مثلا، يزكو ويزدهر في البيئة البدوية، حيث تسود الحضارة الشفوية، فإن الفن الصحفي، على العكس من ذلك، فن يتصل بأسباب التحضر، وينتشر أكثر ما ينتشر في المدن. فالبيئة القروية أو القبلية المحدودة تكتسب فيها المعرفة بالتجربة المباشرة والشخصية؛ لأنه إذا كان جميع أفراد مجتمع من المجتمعات معدين ليفهموا بالتجربة المباشرة ما يجري من أحداث فإن الطرق العادية للاتصال الشخصي تكفي لنشر الأخبار في هذا المجتمع، ولا يحتاج الأمر لأي وسيلة من وسائل الإعلام الحديثة.
ولكن المجتمع الذي يزداد نموه، وتتنوع تخصصاته، وتتعقد مشكلاته، لا يلبث أن يجد وسيلة الفن الصحفي ضرورة حتمية، تبعد كل البعد عن الخبرة الفردية المباشرة. ثم لا يلبث هذا المجتمع المتحضر أن تظهر فيه علوم وفنون وتخصصات بالغة التجريد والتعقيد، فيصبح الفن الصحفي حلا لصياغة المعرفة بطريقة عملية واقعية. وهكذا يكون الصحفي وسيطا اجتماعيا بين الخبير المتخصص من ناحية ورجل الشارع أو الرجل العادي من ناحية أخرى. وفي هذا الصدد يقول الكاتب الأمريكي المشهور والتر لبمان١:
"إن المجتمع الحديث لا يقع في مجال الرؤية المباشرة لأحد، كما أنه غير مفهوم على الدوام، وإذا فهمه فريق من الناس، فإن فريقا آخر لا يفهمه". وهكذا يأتي الفن الصحفي للشرح والتفسير والتكامل.
١ walter lippmann, public opinion "١٩٩٢" pp. ٢٩-٨١.