استطاع الكاتب الصحفي الإنجليزي دانيل ديفو الذي اشتهر بقصته الخيالية الطويلة روبنصن كروزو أن يلمس بعبقريته خاصية الفن الصحفي، ولغته الفريدة، التي تتميز عن لغة العلم ولغة الأدب فقال:"إذا سألني سائل عن الأسلوب الذي أكتب به لقلت إنه الذي إذا تحدثت به إلى خمسة آلاف شخص ممن يختلفون اختلافا عظيما في قواهم العقلية -عدا البله والمجانين- فإنهم جميعا يفهمون ما أقول"١. هذا مع ملاحظة أن الرقم "٥٠٠٠" كان هو الحد الأقصى لتوزيع الصحف في القرن الثامن عشر في إنجلترا، وهو العصر الذي عاش فيه ديفو، وأنتج فيه إنتاجا صحفيا متنوع الفنون، حتى أطلق عليه أبو الصحافة الإنجليزية.
ومن الطريف أن ديفو كان مغرما بالعناوين المثيرة، مجددا في ذلك كل التجديد، وفي رأيه أن الجماهير لا بد أن تثار بالآراء الجزيئة، مع استخدام الوسائل البصرية التي تحقق هذه الإثارة طباعيا. وهكذا كان فهم ديفو للصحافة إرهاصا وإدراكا لمبدأ الإثارة الذي يفتخر به صحفيو القرن العشرين، غير أنه استغل هذا المبدأ استغلالا فكريا ناضجا، ولم يهبط به إلى مجرد الإثارة الانفعالية الرخيصة.
كما أن طريقة ديفو في كتابته الصحفية كانت مبتكرة واعية لوظيفة الصحافة، فهو يبدأ بالتخصيص لكي يتطرق منه إلى التعميم، ولا شك
١ دكتور إبراهيم إمام، تطور الصحافة الإنجليزية "١٩٥٦" صفحة ٨٩.