للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ماهية الفن الصحفي]

ونحن نذهب إلى أن هناك فرقا بين الصحافة والفن الصحفي. فالصحافة هي النشر عن طريق الوسائل المطبوعة دوريا بصرف النظر عن استخدام الفن الصحفي، فهناك صحف لا يتوفر فيها الفن الصحفي، في حين أننا قد نجد كتبا تتوفر فيها أصول الفن الصحفي، وخاصة تلك الكتب الدورية التي تصدرها دور النشر لتبسيط العلوم الحديثة، أو لتقديم الفنون والمدارس الفلسفية المعاصرة. بل إن الفن الصحفي نفسه قد أثر على بعض الدارسين والباحثين الذين أخذوا في السنوات الأخيرة يقدمون ثمرات أفكارهم بطرق حديثة، تتميز بالطابع الذي يتميز به الفن الصحفي من معالجة تفسيرية واضحة تعززها الصور والرسوم الإيضاحية، فضلا عن التجسيد الفني والمسرحة والتكرار، واختيار الكلمات ذات الشحنة التأثيرية، فضلا عن الحيل البلاغية الجديدة التي تنم عن الواقعية والحيوية والمشاركة.

إن بحثا أكاديميا أو علميا جادا، بمصطلاحات العلم المجردة، أساليب التعبير الأكاديمية، وطرق الاستدلال المنطقية، لا يعتبر من الفن الصحفي في شيء، حتى لو نشر في صحيفة سيارة ذات توزيع مرتفع، ولكن عندما يأتي الفنان الصحفي، ويأخذ هذا البحث الأكاديمي المجرد، ليعالجه علاجا جديدا بالتبسيط والتجسيد والتصوير، والتشبيه الواقعي الحي، مستعينا بفنون الإخراج الصحفي من عناوين وصور ورسوم وكاريكاتور، وأهم من ذلك كله لغة واقعية خالية من التعقيدات المجردة، فيصح القول بأن هذه هي بداية الفن الصحفي.

وهكذا يمكن اعتبار الفن الصحفي رؤية جديدة للعالم، تنطبق مع رؤية الشخص العادي. بمعنى أن الفنان الصحفي يترجم المصطلحات الجامدة المجردة المعقدة إلى مصطلحات الواقع العملي النابض بالحياة. وهنا نجد أن الفن الصحفي فن ابتكاري بكل معنى الكلمة. فالسؤال الذي يطرحه الفنان الصحفي دائما هو: كيف يمكن أن تصل هذه المعلومات إلى الجمهور بطريقة مفهومة مستساغة؟ ولقد عولجت الكثير من المدارس الفنية والفلسفية والعلمية الحديثة رغم صعوبتها -كالمنطق الوضعي والوجودية والنسبية والتكعيبية- بمصطلحات الفن الصحفي، فأمكن نشرها بين الجماهير. ومع ذلك، فإن الفن الصحفي كثيرا ما يهدد الأفكار الجادة بالمبالغة والتشويه، عندما يغالي الفنان الصحفي في أسلوبه وطريقته.

فإذا أقحمت المسرحة أو الدراما على النص دون مبرر، أو إذا أمعن الفنان الصحفي في الإثارة والتسلية والمفاجأة، فإنه قد ينزلق من الإيضاح إلى التشويه، ومن التفسير إلى ارتجال مضمون مختلف، ولذلك فإننا قلما نجد الخبراء والعلماء راضين عن المعالجة الصحفية، مهما كانت فذة، وذلك رغم الجهود المضنية التي

<<  <   >  >>