للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سبق القول بأن الموهبة الصحفية هي موهبة التبسيط والتجسيد والبعد عن المفاهيم المجردة. فالصحافة الحديثة لا يمكن أن تتجاهل عصر الفضاء وعصر الذرة، ولكنها لا تستطيع كذلك أن تستخدم اصطلاحات العلم المجردة. ومع هذا وذاك ينبغي للمحرر العلمي إدراك أن القارئ لا يضيره أن يقرأ لفظا علميا غريبا على مسامعه إذا دعت الضرورة إلى استعماله في المقال، بشرط أن يبسطه ويقربه إلى الأفهام. "ولا ينبغي للمحرر في هذه الحالة أن يعتذر عن استعمال هذا اللفظ، ولا أن يحاول أن يشرحه شرحا علميا مستفيضا؛ فله -مثلا- أن يستخدم لفظ الوحدة الحرارية، ولكن ليس عليه أن يشرح هذه الوحدة الحرارية من الوجهة العلمية. بل يقول مثلا: إن ثلاث قطع من السكر، أو قطعة صغيرة من الزبد تولد مائة وستين وحدة إذا كان يقوم بعمل مجهد"١.

والخلاصة أن المقال الصحفي يشتق بموضوعاته من الحياة الواقعية، وكذلك يشتق لغته من نفس تلك الحياة الواقعية، وينبغي أن يكتب باللغة التي يفهمها أكبر عدد ممكن من الشعب على اختلاف أذواقهم أو أفهامهم أو بيئاتهم وثقافاتهم، وهذه اللغة هي اللغة القومية في صورتها الدارجة وليست صورتها العامية لأنها تمتاز بالبساطة والوضوح والإيناس واللطف والرشاقة، وتنأى ما أمكن عن صفات التعالي على القراء والتقعر أو الغرابة في الأسلوب والمبالغة في التعمق الذي لا تقبله طبيعة الصحف بحال ما٢.


١ كارل وارن، ترجمة عبد الحميد سرايا، ص٢٨٩.
٢ عبد اللطيف حمزة، الصحافة والأدب في مصر، الفصل الثاني.

<<  <   >  >>