إنجلترا وفعلت جريدة المصري نفس الشيء عندما قللت من غلوائها في تأييد حزب الوفد، بل إنها ذهبت إلى حد انتقاده أحيانا أو على الأقل عدم تأييده تأييدا أعمى على طول الخط.
وقد ساعدت الصحافة المعارضة على ظهور فن المقال النزالي على الصعيد الأدبي أولا ثم الصعيد السياسي فيما بعد. فعلى صفحات "الجريدة" تناظر مصطفى صادق الرافعي عن الأدب القديم وطه حسين عن الأدب الجديد، ثم ما لبثت هذه المعركة أن انتقلت إلى صحيفة "السياسة الأسبوعية" ولعلها مستمرة حتى يومنا هذا. وتناظر العقاد مدافعا عن الأدب السكسوني ضد الأدب اللاتيني الذي دافع عنه طه حسين. وعلى الصعيد السياسي، كانت الحملات قاسية بل ضارية أحيانا، وبعض هذه الحملات أنقذ البلاد من نير الظلم، ونعني بذلك الحملة التي قادها علي يوسف ضد اللورد كرومر باسم مقالات "قصر الدوبارة بعد يوم الأربعاء". وعددها أربعة عشر مقالا، وأشهر منها مقالات مصطفى كامل ضد كرومر أيضا، وقد أطاحت به، وأبعدته عن الحكم في مصر.
ويخطئ من يظن أن المقال السياسي هو النوع الوحيد من المقالات الصحفية الذي تهتم به الصحافة، وإذا كان ذلك صحيحا بالنسبة للصحافة القديمة، فإن ذلك غير صحيح بالنسبة للصحافة الحديثة التي أصبحت موسوعية في اهتمامها ومقالاتها فهي تعنى بالاقتصاد والاجتماع والفن والأدب والرياضة والثقافة جميعا. وقد أصبح من الضروري أن يضم مجلس التحرير في الصحيفة نخبة من الخبراء والمتخصصين في السياسة والاقتصاد والزراعة والصناعة والتعليم والشئون الاجتماعية والعسكرية.
ولقد أصبح المقال الصحفي الحديث يمثل العقل الذي يفسر ويوازن ويحلل ويشرح، ولم يعد ذلك اللسان المتبرع بالمدح أو الذم وفقا للأهواء دون ما ضابط. والواقع أن المقال الصحفي أخذ يقترب كثيرا من الخبر والتحقيق الصحفي من حيث الموضوعية والدراسة، كما أن وظائف المقال أخذت تتضح في مجالات كثيرة أهمها الشرح والتفسير والتوجيه والإرشاد والتسلية والإمتاع.