فيها ليس أمر رأي فحسب، بل أمر إمكانيات وإباحات ومحظورات أيضا، وهي تحتاج أحيانا إلى لباقة وتحاليل أكثر مما تحتاج إلى قوة رأي أو لسلامة قصد.
وقد يشقى بها الصحفيون شقاء مرا عندما يتعارض رأيهم مع الممكن وغير الممكن.. وقد يحملهم القراء أو المواطنون تبعات لا قبل لهم باحتمالها؛ إذ ينتظرون منهم ما لا تسعفهم به الممكنات من نقد أو توجيه أو معارضة أو تأييد، ولذلك لا تزدهر الكتابة السياسية إلا في ظل نظام تكفل فيه الحدود المقبولة لحرية الرأي والنقد والتوجيه. وفي مثل هذه الحالة تنمو الثقافة السياسية العامة للأمة بفضل الصحافة. وتتعارض الآراء وتتصارع لينتصر الأصلح في نهاية الأمر.
وأما السياسة الخارجية فقد تعقدت هي الآخرى لكثرة التيارات والمنظمات الدولية التي تعمل في العالم. ولا غنى للصحفي عن الإلمام بتلك النظم وطريقة عملها والهيئات التابعة لها واختصاصات كل هيئة ومدى تعلق مصالح بلاده بها. لأن الكثير من مسائل السياسة الدولية أصبح مرتبطا بهذه المنظمات كهيئة الأمم المتحدة بما فيها من جمعية عامة ومجلس أمن ومجلس اقتصادي واجتماعي وما إلى ذلك من وكالات متخصصة كاليونسكو ومنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية وغيرها.
وهناك حركة التكتلات الدولية التي تسيطر الآن على سياسة العالم والتي تشعبت في اتجاهاتها على نحو لا تكاد الصحافة تنجح في ملاحقته. ففي كل يوم تنشأ أحلاف جديدة وتكتلات مشتركة متداخلة، حتى أصبحت السياسة الدولية مختلفة المعاني. وتتبع هذه الحركة يستلزم الاطلاع على الكثير من الوثائق الدولية التي تسجل هذه المواثيق. ومن حسن الحظ أن بعض شركات الأنباء أخذت تعنى بجمع هذه الوثائق ومد الصحف بها، إلى جانب نشراتها الأخبارية، وإن كانت صفحات الجرائد والمجلات كثيرا ما تضيق عن نشر هذه الوثائق، ولكن إدارات الصحف الكبرى تحتفظ بها في محفوظاتها ليستعين بها رئيس التحرير والمحررون المختصون في كتابة مقالاتهم الإيضاحية والإرشادية في السياسة الدولية.