ولا شك أن الفن الصحفي المصري قد تأثر بالفن الصحفي الأوروبي تأثرا كبيرا، ولا بد أن محرر الوقائع الأول، رفاعة رافع الطهطاوي الذي كان قد تعلم في فرنسا قد شاهد الكثير من الصحف الفرنسية التي أخذت تعالج موضوعات ثقافية وأدبية وحضارية إلى جانب الموضوعات السياسية والاقتصادية. فبعد أن كان المضمون الأخباري في "الوقائع المصرية" مثلا يدور حول السياسة الخارجية والتجارة والثناء على ولي النعم وبيان نشاط الحكومة في ترقية الأحوال، وما يحدث في سائر أنحاء العالم، نشاهد في عدد الوقائع الصادر في ١٠ يناير سنة ١٨٤٧ تجديدا في اتجاه الأخبار الإنسانية الطريفة تحت عنون "أخبار نوعية" أي متنوعات من نوع الأخبار الخفيفة التي تسمى باللطائف الإنسانية١.
وحتى جريدة الأهرام -وهي جريدة غير رسمية أو غير حكومية- كان صاحبها سليم تقلا يشرح قصده من إصدارها في طلبه إلى الحكومة لإصدار ترخيص بها قائلا:"إن الجريدة الملتمس إنشاؤها في الإسكندرية تحتوي على التلغرافات والمواد التجارية والعلمية والزراعية والمحلية، وكذلك طبع الكتب" وحتى الأخبار السياسية نفسها كانت تدور حول الأحداث الأوروبية؛ لأن نشر الأخبار المصرية كان أمرا محفوفا بالخطر؛ إذ كانت الحكومات -بطبيعة الحال- لا تسمح للصحف بنقد الحاكم أو توجيه النصح إليه.
وقصارى القول، أن الصحافة العالمية -سواء الأمريكية أو الفرنسية أو الإنجليزية أو العربية- كما رأينا من قبل، كانت تصطنع أسلوبا جافا وبطريقة جادة، تفترض أن قارئ الصحيفة إنسان منطقي ذكي ناضج لا يقل عمره عن الأربعين، مهتم بالسياسة والاقتصاد والشئون المالية والتجارية، ولا ينبغي له أن يهتم بسواها. ثم أتت الصحافة الشعبية فاتسعت المجالات الأخبارية والصحفية، وبدأ الفن الصحفي الأصيل القائم على معاملة الرموز القديمة معاملة جديدة، على أساس واقعي يفهمه الناس جميعا، في الظهور تدريجيا. واتضحت سمات الفن الصحفي وأخذت تتبلور واضحة جلية في نهاية الأمر.