ولقد عرفت صحافتنا المصرية العنوان المنتشر أول ما عرفته بطريقة طبيعية كانت تتطلب نشره فعلا، وذلك يوم ١١ فبراير سنة ١٩٠٨ بمناسبة هزت وجدان الشعب المصري من أعماقه، وهي وفاة زعيم من أعز زعمائه وهو مصطفى كامل. فكان طبيعيا أن تنشر اللواء على عرض صفحتها الأولى نبأ رحيل الزعيم بقولها "مصاب مصر والشرق بفقد المغفور له مصصفى كامل باشا صاحب اللواء".
ولا شك أن هذا العنوان له دلالته وأهميته مما يبرر نشره على عرض الصفحة، ولكن الأمر يختلف بالنسبة للصحف الحديثة التي انزلقت في تيار الصحافة الصفراء، وأخذت تبالغ في استخدام العناوين الضخمة ذات اللون الأحمر، فأفقدت هذا العنوان قيمته، وأصابت القراء بنوع من التبلد وعدم الاحتفال بقيمة العنوان. وقد أتى على صحافتنا وقت كانت تتبارى فيه لإبراز العناوين الضخمة التي تحتشد بالتفاصيل، فانحرفت بذلك عن أصول الفن الصحفي والذوق السليم.
غير أن المسئولين في صحفنا سرعان ما فطنوا إلى عيوب هذا الإسراف وتلك المبالغة وأخذوا يعملون على الحد منها، حتى تعود إلى العناوين قيمتها وفاعليتها. وما لبث هذا السبق المحموم نحو اللون الأحمر والعناوين الضخمة أن انقلب إلى سباق نحو الهدوء والاتزان والتعقل. وقد كانت صحيفة الجمهورية في مقدمة تلك الصحف التي حاولت سنة ١٩٥٨ معالجة الأمر بالاستغناء عن العناوين الحمراء العريضة، واستبدلت بها عناوين سوداء معتدلة. وحذت الأهرام حذوها سنة ١٩٦١، ومضت في هذا السبيل بنجاح، في حين أن الجمهورية نفسها لم تستطع مقاومة إغراء العناوين كثيرا. ويبدو أن جريدة الأهرام قد اختطت لنفسها هذه الخطة الهادئة الجديدة منذ سنة ١٩٦٣، فعدلت نهائيا عن السباق المثير المحموم.
وقد كان بعض العناوين المنتشرة تملأ النصف الأعلى من الصفحة الأولى تقريبا، وكان لا بد للمخرج الصحفي أن يتفنن في عرض تلك العناوين بشتى الطرق، مثل استخدام الخطوط المتنوعة من ثلث ونسخ ورقعة وديواني وكوفي وفارسي وحر، فضلا عن التنوع في المساحة واللون، حتى لا تكون العناوين على وتيرة واحدة مملة، والمخرج الصحفي في مصر يستعيض عن حروف الطباعة الكبيرة بالأنماط الخطية "الكليشيهات" التي يتأنق الخطاط في إخراجها وتنوعها، كما يلجأ إلى الألوان وخاصة اللون الأحمر، بالرغم من عيوب هذه الطريقة من حيث البطء وارتفاع التكاليف والخروج عن أصول الذوق الفني السليم.